تحولت مدينة تعز، العاصمة الثقافية للبلاد، إلى مكب مفتوح للنفايات، بعد أن غزت أكوام القمامة شوارعها وأماكن تصريف مياه الأمطار، في ظل عجز رسمي وفساد مالي ينهش صندوق النظافة والتحسين، تاركًا المواطنين يواجهون روائح كريهة، أمراضًا قاتلة، ومعاناة يومية لا تنتهي.
في شارع التحرير الأسفل، يعيش المواطن علي ناجي مأساة حقيقية. منزله الملاصق لأماكن تصريف مياه الأمطار أصبح جحيمًا بسبب تراكم النفايات. ناجي يشكو من الروائح الكريهة والدخان المتصاعد جراء إحراق الأهالي للقمامة، ويقول: "لم أعد قادرًا حتى على فتح نوافذ المنزل.. أفكر بترك البيت الذي بنيته طيلة سنوات والانتقال إلى مكان آخر، لكن وضعي المادي لا يسمح بذلك".
تكدس القمامة لم يعد مجرد مظهر مشوّه للمدينة، بل تحول إلى قنبلة موقوتة صحية وبيئية.
أخصائي أمراض باطنية يؤكد أن القمامة تمثل بيئة خصبة لتكاثر الذباب والجرذان والحشرات، ناقلةً للأمراض عبر اللسع أو الوقوع على الأطعمة والمياه. ويوضح الطبيب أن المخاطر لا تقتصر على الالتهابات الجلدية أو أمراض بكتيرية وفيروسية مثل التهاب الكبد B وC، بل قد تصل العدوى إلى الأجنة في بطون أمهاتهم.
ويضيف: "إحراق النفايات يضاعف الكارثة، إذ يطلق جزيئات سامة من المركبات العضوية المتطايرة، وهي مرتبطة مباشرةً بـأمراض القلب والسرطان والجهاز التنفسي التحسسي".
في الوقت الذي يغرق فيه الأهالي وسط النفايات، يكشف تقرير حكومي حديث عن اختلالات وعمليات فساد بمئات الملايين من الريالات داخل صندوق النظافة والتحسين بمحافظة تعز.
التقرير – الصادر عن لجنة من وزارة الإدارة المحلية – أشار إلى تجاوزات واسعة في تحصيل الإيرادات وصرفها، موضحًا أن قيادات الصندوق تتقاضى مبالغ شهرية ثابتة تصل إلى 4 ملايين و100 ألف ريال دون قرارات رسمية باعتمادها، فضلًا عن حوافز ومكافآت إضافية، بينما المدينة تغرق في القاذورات.
اللجنة طالبت بمساءلة الإدارة ومراجعة الالتزامات المالية والتحقق من وثائقها، مؤكدة أن استمرار الفساد هو السبب الأول وراء فشل الصندوق في القيام بدوره.
إزاء هذا الوضع الكارثي، حاولت منظمات مجتمع مدني ومبادرات شبابية وطلابية التخفيف من حدة الأزمة عبر تنفيذ حملات نظافة بدعم محلي ودولي. كما بادر بعض الأهالي إلى تنظيف أحيائهم بأنفسهم.
لكن هذه الجهود تبقى مؤقتة وسطحية، فما هي إلا أيام قليلة حتى تعود النفايات للتكدس من جديد، في مدينة تحتاج إلى تنظيف مستمر ومؤسسي يضمن استدامة الحلول.
اليوم، يجد سكان تعز أنفسهم محاصرين بين تلال القمامة المتعفنة والفساد الإداري، بينما تتصاعد المخاطر الصحية والبيئية مع كل يوم تأخير. ومع غياب حلول جذرية ومساءلة حقيقية للمسؤولين، تظل المدينة على موعد مع أزمات أشد، تجعل من أبسط حقوق المواطنين – العيش في بيئة نظيفة – حلمًا بعيد المنال.