في مشهد يكشف عمق أزمة الحياة السياسية في مناطق سيطرة الحوثيين، يواصل الانقلابيون منذ عشرين يومًا اعتقال الشيخ غازي أحمد علي محسن الأحول، الأمين العام للمؤتمر الشعبي العام، في خطوة تعكس نهجًا ممنهجًا لتصفية التعددية الحزبية وإخضاع القوى السياسية لسطوتهم. ويُنظر إلى هذا الاعتقال ليس كحادثة فردية، بل كجزء من مسار متصاعد تسعى من خلاله الجماعة إلى إقصاء أي كيان سياسي منافس، وإعادة إنتاج نموذج "الحزب الواحد" وفق الرؤية المستوحاة من النظام الإيراني القائم على ولاية الفقيه.
وقالت مصادر مطلعة إن مليشيا الحوثي اختطفت الأحول ومرافقيه في 20 أغسطس 2025، بعد ضغوط مارستها على قيادة المؤتمر في صنعاء لإلغاء الفعالية التي كانت مقررة بمناسبة الذكرى الثالثة والأربعين لتأسيس الحزب، وهو ما عُدّ انتهاكًا صارخًا لحق القوى السياسية في التعبير والعمل العلني.
وأضافت المصادر أن المليشيا لم تكتفِ باعتقال الأمين العام، بل صعّدت من إجراءات التضييق على قيادات المؤتمر في صنعاء، من خلال فرض الإقامة الجبرية على بعضهم، ومراقبة أنشطتهم، والزج بعدد من الكوادر في سجون سرية، في محاولة لكسر إرادة الحزب الذي يمثل تاريخيًا أحد أعمدة الحياة السياسية اليمنية.
ويرى مراقبون أن هذه الخطوة تأتي ضمن استراتيجية أوسع للحوثيين تقوم على تجريف المجال العام واحتكار الفضاء السياسي والإعلامي، بما يتوافق مع أجندة طائفية تحتفي بعشرات المناسبات المستوردة من التراث الإيراني، بينما تضيق على أي مظاهر سياسية أو اجتماعية تتصل بالهوية الوطنية الجامعة لليمنيين.
وأشار المراقبون إلى أن هذه السياسة لا تهدف فقط إلى إخضاع المؤتمر الشعبي العام، بل تسعى إلى بعث رسائل ترهيب لكل القوى والمكونات الأخرى التي قد تفكر في إحياء نشاطها أو التعبير عن مواقف مستقلة، الأمر الذي يهدد بنسف ما تبقى من هامش التعددية في مناطق سيطرة الجماعة.
وأكد محللون أن استمرار اعتقال الأمين العام للمؤتمر يعكس انسداد أفق العمل السياسي، ويبعث برسالة سلبية للمجتمع الدولي عن استعداد الحوثيين للمضي في سياسة القمع والإقصاء، في وقت يتحدثون فيه عن السلام والحوار.