كتب: منير طلال
ما أعادني اليوم إلى الوراء هو ما كتبه الأخ محمد محمد مارش، وما خطته الأخت أروى الشميري عن رجل لم يكن يشبه أحدًا، رجل بلا أطراف تقريبًا، لكن اسمه كان يملأ شوارع تعز: جبران عقلان، أو كما عرفه الناس: جبران الوحش.
أذكر أنني التقيته صدفة عام 2013 في سوق القات بالحوبان وفي عصيفرة. أتذكر أنه كان يجلس على حافة السوق، يشرب شايًا في علبة معدنية، يراقب الداخلين والخارجين. شكله المميز جعلني أشعر بالرأفة: كيف يعيش إنسان بلا يدين ولا رجلين؟ كيف استطاع أن يصل إلى هذا العمر؟ همس صديق في أذني: "لا تنخدع، هذا الرجل مخيف، فيه كل الصفات السيئة." لم أصدق، فكيف لشخص معاق أن يكون بهذا الوصف؟ لم أكن أعلم أنني أمام رجل أقرب ما يكون إلى نسخة يمنية من شخصيات أفلام المافيا والشر.
الطفولة المسروقة
ولد جبران في بيت فقير معدم، عاش طفولته متسولًا في الأسواق، لم يعرف المدارس ولا القراءة ولا الكتابة. لم يكن له مستقبل سوى أن يعيش على ما يجود به الناس، لكن داخله كان يغلي. كان يشبه الجوكر في بداياته؛ رجل سحقه المجتمع فقرر أن يسحقه بدوره.
من المتسول إلى البلطجي
كبر جبران وهو يحمل فكرة أن القوة وحدها تمنحك الحق في العيش. حين وصل إلى سوق القات المركزي في عصيفرة، بدأ يفرض نفسه على الباعة بالقوة، كما يفعل توني مونتانا في فيلم سكارفيس. كان يلوّح بالكلاشنكوف تحت خده، يعمره بذراعه القصيرة جدًا، ويطلق النار على من يرفض دفع الاتاوة. الجنّبية أيضًا كانت حاضرة، يضعها في رقاب الناس ويرعبهم بها.
عصابة الأبقط
شيئًا فشيئًا، التف حوله مجموعة من القتلة والمرتزقة، أسماهم الناس عصابة الأبقط. صار زعيمهم بلا منازع، وكان يحكم السوق مثل آل كابوني في شيكاغو؛ لا أحد يرفع صوته ضده، ولا يجرؤ على رفض أوامره. ارتبط اسمه بمقتل الأستاذ عبدالله قاسم المخلافي، ليزداد الخوف حوله.
السجن والهروب
الأمن قبض عليه، وأودعه السجن المركزي في تعز، لكنه حتى بين السجناء كان زعيمًا. وعندما اندلعت الحرب عام 2015، انهارت أبواب السجون وخرج جبران، مثل الجوكر، حين فر من مستشفى المجانين إلى شوارع جوثام ليشعل المدينة بالفوضى.
بقالة جبران الوحش
بعد خروجه، نصب كشكًا في جولة سوفتيل، أسماه بقالة جبران الوحش. لم يكن كشكًا عاديًا للبقالة، بل كان بمثابة مكتب مافيا يوزع الرعب على الناس. كان يجلس فيه أو في سوق الرفاعي بالحوبان، محاطًا بمرافقين، يمتطي سيارة فاخرة، كأنه نسخة يمنية من العرّاب دون فيتو كورليوني.
حين كان يدخل سوق القات، كان المقاوِمون يفسحون له الطريق، يزيحون الزبائن حتى لا يضيق صدره ويطلق النار. مشهد يذكرك بمشاهد آل باتشينو حين يدخل النوادي في الأفلام، والكل ينكمش خوفًا.
الشخصية الغامضة
الذين عرفوه عن قرب يقولون إنه فقأ عين رجل بيده المعاقة، وأنه كان يضرب بالجنّبية كما يطلق الرصاص. بعضهم شبّهه بـإيفار الكسيح، قائد الفايكنج المعاق الذي دوّخ أوروبا. ومع ذلك، كان في عينيّ صورة أخرى تذكرني بالجوكر، بضحكته المخبأة تحت صمت قاسٍ. لم أكن أعلم حينها أنني أراقب أخطر شخصية في اليمن.
النهاية
لكن القدر لم يمهله طويلاً. في أحد الأيام، بينما كان في سوق القات بجولة سوفتيل قرب مستشفى الرفاعي، باغتته قذيفة مدفعية وسقط قتيلًا في لحظة واحدة. قالوا ربما صدفة، وربما دعوة مظلوم لحقت به، لكن المؤكد أن موته كان نهاية فصل دموي في مدينة تعبت من الفوضى.
جبران الوحش رحل، لكن قصته بقيت تُروى بين الناس، كما تُروى قصص المجرمين الكبار في السينما العالمية، من الجوكر إلى آل كابوني، ومن توني مونتانا إلى إيفار الكسيح.