نشر الناشط الحقوقي عبدالقادر الخراز على صفحته في فيسبوك تقريرًأ مفصلًا كشف فيه بالوثائق فساد إدارة الصندوق الاجتماعي للتنمية في العاصمة عدن وكيف تخدم ميليشيا الحوثي الإيرانية في صنعاء.
وفيما يلي نص التقرير الذي نشره الناشط على صفحته:
يُعد الصندوق الاجتماعي للتنمية من أهم المؤسسات التنموية في اليمن، إذ تدفقت عبره مليارات الدولارات من المانحين الدوليين منذ تأسيسه في التسعينات، لدعم الفئات الأشد ضعفًا وتعزيز التنمية المحلية. غير أن السنوات العشر الماضية، ومع سيطرة ميليشيا الحوثي على العاصمة صنعاء، شهدت انحراف مسار الصندوق عن أهدافه التنموية وتحوله إلى أداة بيد الجماعة تستخدمها للسيطرة على التمويلات الدولية وتوظيفها ضمن شبكاتها. الوثائق والتصريحات الصادرة مؤخرًا، ومنها توضيحات المدير الموالي للحوثي عبدالله الديلمي وكذا رسالة وسام قائد بتاريخ 20 أغسطس 2025 والمعين حديثا مديرا للصندوق من الحكومة الشرعية بعد هروبه من صنعاء الى عدن في نهاية 2024 (مع العلم انه أي وسام قائد كان يمارس مهامه طيلة السنوات الماضية في صنعاء كنائب لمدير الصندوق وكان يتنقل من صنعاء الى عدن ويعمل على عدم اتخاذ أي قرار بنقل الصندوق الى عدن وسيطرة الشرعية عليه)، تكشف الوثائق بوضوح أن إدارة الصندوق لا تزال تدين بالولاء للحوثيين، وترفض الخضوع لقرارات الحكومة الشرعية، رغم حجم المخاطر التي يفرضها هذا الوضع على نزاهة التمويلات الدولية واستمرارية دور الصندوق.
سرد وتحليل
1. رفض سلطة الحكومة الشرعية
تؤكد الرسائل والتوضيحات الأخيرة أن إدارة الصندوق تتجاهل تمامًا قرارات الحكومة الشرعية الخاصة بنقله وإدارته من مناطق سيطرة الحوثيين إلى مناطق آمنة. الحديث المتكرر عن "الحياد" و"الاستقلالية" ليس سوى غطاء لواقعٍ استمر لعقد كامل تحت سلطة الحوثيين، وهو ما دفع الحكومة إلى التحرك لتصحيح الوضع.
خطاب البنك المركزي بعدن حول تعيين مدير جديد للصندوق الاجتماعي وفقا لقرار رئيس الوزراء بتاريخ 11 أغسطس 2025، واعتماد توقيعه على المعاملات الخاصة بالصندوق وإلغاء المخولين السابقين التابعين لمليشيا الحوثي (نشر الخطاب بمنشور سابق ومرفق الرابط بالتعليقات). هذه الخطوة هامة وكانت منتظرة منذ سنين ويجب دعمها، وطالبنا بها أكثر من مرة في إطار ضبط التمويلات الدولية سواء للصندوق او للمنظمات الدولية، وتأتي أيضا أهميتها من خطاب البنك المركزي بعدن، فالمسالة ليست قرار فقط وانما إجراءات متتابعة تفرض سيادة الدولة وتمنع استمرار استغلال مليشيا الحوثي لأموال التمويلات الدولية والتحكم بها، فمن خلال هذا الصندوق ضخت مئات ملايين الدولارات إذا لم تكن مليارات الدولارات وكانت كلها تدار من صنعاء على طول العشر السنوات الماضية. وبالتالي كان يجب ان يقابل هذه الخطوة تحرك يتماشى مع قوتها وأهدافها من قبل المدير المعين حديثا (وسام قائد) لكن للأسف ما اظهرته مذكرته بعد تعينه يطرح العديد من التساؤلات حول الجدية في تثبيت وضع الصندوق في العاصمة عدن وهل سيكون فقط اجراء شكلي لمساعدة مليشيا الحوثي لتجنب التصنيفات والعقوبات وبقاء سيطرتها على اعمال الصندوق.
2. تمسك بمرجعية حوثية (عبدالله الديلمي)
الإشارات المباشرة والمتكررة من وسام قائد في مذكرته المرفق (مرفق 1 و 2) إلى المدعو عبدالله الديلمي باعتباره المرجعية الإدارية للصندوق تعكس استمرار ولاء الإدارة المعينة حديثا للصندوق في عدن للحوثي عبدالله الديلمي، المعروف بإخلاصه للجماعة، يواصل قيادة الصندوق من داخل صنعاء، بما يضمن بقاء واحدة من أهم مؤسسات التنمية تحت قبضة الميليشيا.
3. تبرير الوضع القائم وتجميله
• يحاول وسام قائد تصوير عمل الصندوق خلال العشر سنوات الماضية كقصة نجاح، متجاهلًا الانحرافات و. يحاول في ذات الوقت تصوير أنفسهم كحماة "الاستقلالية" و"النجاحات السابقة"، لكنهم يتجاهلون أن هذه النجاحات كانت موجهة وفق إرادة الحوثيين، وأن التمويلات لم تصل إلى ملايين اليمنيين في المناطق المحررة أو المحتاجة فعليًا.، بينما قدّم الديلمي ذريعة "حماية الأنظمة والسيرفرات في صنعاء" لتبرير استمرار السيطرة الحوثية على موارد الصندوق (مرفق 3 و4 اجزاء من رسالته عبر مجموعة وتس تابعه لهم). هذا الخطاب التبريري يهدف إلى حماية شبكات النفوذ والامتيازات التي رسختها الميليشيا عبر الصندوق.
• ما توضحه مذكرة وسام قائد في المرفق رقم 1حول ضرائب الدخل على موظفي الصندوق والتي كانت تذهب الى مليشيا الحوثي من كل فروع الصندوق حتى بالمحافظات التي تحت الشرعية وهذا مؤشر خطير على ان الاوعية الايرادية من ضرائب وجمارك تذهب الى الحوثي والصندوق ماهو الا احد هذه الجزئيات ، وللأسف يأتي وسام قايد الان ليتحدث عنها في حين انه كان يغطي عليها طول السنوات الماضية لا وبل يتحدث عن الحقوق في الخدمات مقابل ذلك فاين هي الخدمات التي حصل عليها موظفي الصندوق سواء في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي او حتى مناطق الشرعية ، وكم حجم هذه الأموال التي وردت للحوثي على مدار عشر سنوات للضرائب وغيرها من خصميات على التمويلات
4. رفض الإصلاح والشفافية
• توضيح الديلمي عن مسألة التصنيف الأمريكي (FTO) بالمرفق (رقم 3 و 4 ) جاء في إطار تبريرات إنكارية، زاعمًا أن البنوك لم ترصد مخالفات. لكنه لم يقدم أي التزام بقبول إصلاحات أو رقابة حكومية ودولية، بل تمسك باستمرار الوضع تحت شعار "الاستقلالية". هذا يعني فعليًا رفض أي شفافية أو مساءلة.
• فيما تجاهل وسام قائد تمامًا أي التزامات بالإصلاح أو الشفافية في مذكرته. وتحدث عن مخاطر التصنيف. وبنفس الوقت لم يجرؤ وسام قايد على تعريف نفسه بالمذكرة بالمرفق رقم 2 بانه مدير الصندوق وفق قرار الحكومة الشرعية بل اكتفى بوضع اسمه بدون تعريف بمنصبه وحتى الورقة الرسمية التي عملت عليها المذكرة ترتبط بأحد المشاريع التي يديرها الصندوق بعدن وليست ورقة رسمية تعبر عن المكتب الرئيسي للصندوق في عدن وهذا خلل اداري كبير وضعف لا يعطي مؤشرات إيجابية لعمل الصندوق للفترة القادمة وادارته من عدن.
5. الإقصاء الوظيفي واستبدال الكوادر
يواصل عبدالله الديلمي إجراءات الاستغناء عن الموظفين القدامى الذين أنفقت الدولة على تدريبهم منذ تأسيس الصندوق والذين يُمثلون خبرة وأصولًا ثابتة مرفق رقم 5، بينما يتم الإبقاء على العناصر الحوثية المستحدثة بعد انقلاب 2014. هذا التوجه يقوّض الإرث المؤسسي للصندوق ويحوّله إلى جهاز ميليشياوي تابع للحوثيين. ويظهر استمرار مبدا الاقصاء، وللأسف لم نجد في مذكرة وسام قايد أي إشارة لهؤلاء الموظفين الذين تم فصلهم، حيث تجاهل ذكر فصل الموظفين وكيفية معالجة أوضاع المفصولين او استيعابهم وهذا يؤكد استمراره ودعمه لإجراءات عبدالله الديلمي الحوثي.
6. تغييب المرجعية الرئاسية وتحويل التبعية
الوثائق كشفت أيضًا أن الصندوق تم التلاعب بوضعه القانوني ونظامه الأساسي من قبل مليشيا الحوثي ولم يعد تابعًا لرئاسة الوزراء كما كان عند إنشائه، بل أصبح تحت إشراف وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل الخاضعة للحوثيين في صنعاء عبر اصدار قرار من مجلس الحوثي برقم 12 لعام 2024 (مرفق 6، 7و8 ) ، هذا التحول يعني عمليًا فقدان الغطاء الوطني الجامع للصندوق وتحويله إلى جهاز إداري محكوم بالقرار السياسي للجماعة. ما أضعف استقلاليته الفعلية وجعله رهينة للقرار السياسي للجماعة. وكذلك تجاهل وسام قائد في مذكرته أي إشارة لهذ القرار او الإشارة لعدم قانونيته وشرعيته او ان الصندوق سيعمل وفق القانون الأساسي له، وهذه الإشارة كانت مهمة لتثبيت وضع الصندوق في عدن وعدم السماح باي تلاعب قانوني على الصندوق.
7. ازدواجية مؤسساتية (صندوق استيعاب المنح)
في الوقت الذي يفترض أن الصندوق الاجتماعي هو الجهة المعنية باستيعاب التمويلات الدولية، لا يزال هناك "صندوق استيعاب المنح" ككيان موازٍ بلا جدوى واضحة. الهدف من هذا التكرار المؤسسي لا يبدو سوى استيعاب موظفين بطالة مقنعة، والاسوأ من ذلك هو عدم فعالية جهاز استيعاب المنح واستغلاله من خلال المعينين فيه (سواء المدير السابق علاء قاسم او التي تلته افراح الزوبة ) لمصلحة افراد مرتبطين بمصالح خاصة بهؤلاء المدراء وتوجيه التمويلات لمؤسساتهم في مخالفات قانونية وفساد في تضارب المصالح، واما الصندوق الاجتماعي فمازال ارتباطه موجود لمديره بمليشيا الحوثي.
الخاتمة
ما ورد في مذكرة وسام قائد ورسالة مشرفه عبدالله الديلمي يؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن إدارة الصندوق الاجتماعي للتنمية لا تزال مرتهنة للحوثيين، وترفض الخضوع لسلطة الحكومة الشرعية أو لمتطلبات الإصلاح والشفافية.
فمن التمسك بمرجعية الديلمي، إلى الإقصاء الممنهج للكوادر الوطنية، وصولًا إلى تغييب التبعية لرئاسة الوزراء والابقاء على كيانات موازية بلا جدوى، تتضح معالم إدارة مشبوهة هدفها تكريس الصندوق كأداة للسيطرة السياسية والمالية للحوثيين.
إن استمرار هذا الوضع يُشكّل خطرًا جسيمًا على نزاهة التمويلات الدولية ويقوض ثقة المانحين، ويستدعي تدخلًا عاجلًا لإعادة هيكلة إدارة الصندوق تحت إشراف الحكومة الشرعية والجهات الرقابية الدولية، بما يضمن وصول المساعدات إلى مستحقيها من ملايين اليمنيين الفقراء، بعيدًا عن قبضة الميليشيا وشبكاتها او من يحاول التغطية عليها والاحتيال على القانون والعقوبات واستمرار دعمها.