تشهد محافظة تعز أزمة متصاعدة بين الحكومة اليمنية الشرعية ووزارة الدفاع من جهة، ومحور تعز العسكري الموالي لحزب الإصلاح الإخواني من جهة أخرى، بعد أن تفجّرت قضية استيلاء قيادات المحور على ضريبة القات ومصادر إيرادية أخرى.
الأزمة التي كشفتها وثائق رسمية ووسائل إعلام، تحولت إلى ما يشبه "مساومة سياسية وعسكرية"، إذ يلوّح قادة المحور – وفق ما تروج له وسائل إعلام موالية له – بخيار إسقاط تعز بيد ميليشيا الحوثي إذا أصرت الحكومة على استعادة موارد الضرائب لصالح السلطة المحلية ومشاريع التنمية كما هو معمول به في بقية المحافظات المحررة.
وسائل إعلام ونشطاء موالون للإخوان في تعز شنّوا حملة واسعة للدفاع عن عمليات الجباية والنهب التي تقوم بها قيادات المحور، معتبرين أن ضريبة القات "إمكانات ضرورية" لوحدات الجيش، بل وصل بعضهم إلى التهديد المباشر بإعادة تعز إلى قبضة ميليشيا الحوثي في حال استمرت الحكومة ووزارة الدفاع بمساعي استعادة هذه الإيرادات إلى قنواتها الرسمية.
وزير الدفاع اليمني الفريق الركن محسن الداعري أصدر في 13 أغسطس/آب الجاري توجيهات صارمة إلى قيادة محور تعز بوقف الاستيلاء على ضريبة القات وغيرها من الموارد، مشددًا على ضرورة الالتزام بالقوانين النافذة وتوريد العائدات إلى البنك المركزي اليمني. الخطوة جاءت ضمن جهود الحكومة لتوحيد الأوعية الإيرادية ووقف عبث الفصائل المسلحة، خصوصًا في المناطق المحررة التي تعاني من ضعف شديد في الخدمات نتيجة غياب الموارد عن موازنة السلطة المحلية.
وكشفت وثائق رسمية مسربة أن محور تعز استولى على نحو 2 مليار و226 مليون ريال يمني من ضريبة القات خلال عام 2024، منها 546 مليون ريال جرى تحصيلها مباشرة عبر المحصلين، فيما بلغ إجمالي الأموال المنهوبة خلال خمسة أيام فقط في مايو الماضي أكثر من مليار و680 مليون ريال.
كما أظهرت وثائق صادرة عن مصلحة الضرائب في يوليو الماضي أن قيادات عسكرية إخوانية في تعز استولت على أكثر من مليار و849 مليون ريال من ضرائب القات خلال أقل من شهرين، في حين تذهب حصص ثابتة تقدر بـ 600 مليون ريال شهريًا من جبايات الوقود والغاز، إضافة إلى أكثر من 100 مليون ريال شهريًا من إيرادات مصلحة الهجرة والجوازات.
قيادة المحور الإخواني بررت استيلاءها على هذه الموارد بأنها "مخصصة لتغطية احتياجات الجبهات وتعزيز الجاهزية القتالية والمعنوية"، غير أن الواقع – بحسب مراقبين – يكشف أن معظم جبهات القتال في تعز شبه متوقفة منذ سنوات، ولم تشهد عمليات عسكرية حقيقية ضد الحوثيين.
واعترفت قيادات المحور بتلقيها دعمًا مركزيًا من الحكومة لتوفير الغذاء والاحتياجات الأساسية، لكن الخلاف يتركز حول المخصصات التشغيلية التي يطالب بها القادة العسكريون، بينما يرى المراقبون أنها تذهب لصالح رفاهية القيادات ونفقاتهم الخاصة أكثر من دعم المقاتلين.
الأزمة الراهنة تكشف حجم الفساد الذي يضرب المؤسسة العسكرية في تعز تحت غطاء "المجهود الحربي"، كما تكشف محاولات الإخوان الاستئثار بالموارد المالية على حساب التنمية المحلية ومعيشة المواطنين.
ويحذر خبراء من أن استمرار هذا العبث يضعف ثقة المواطنين بالحكومة الشرعية، ويمنح الحوثيين فرصة إضافية لاختراق المحافظة المنهكة بالحرب والحصار منذ سنوات.
من جانبها أكدت الحكومة اليمنية، بقيادة رئيس الوزراء سالم بن بريك، التزامها ببرنامج إصلاحات شاملة يهدف إلى توحيد الإيرادات وضمان صرفها عبر القنوات الرسمية، معتبرة أن استيلاء محور تعز على ضريبة القات يشكل جريمة مالية وانحرافًا خطيرًا عن القانون. كما أحال مجلس القيادة الرئاسي ملف تلبية احتياجات الجيش في تعز إلى السلطة المحلية لضمان الصرف بشفافية على القطاعات الخدمية والأمنية بعيدًا عن شبكات الفساد الحزبية.
وتكشف قضية ضريبة القات في تعز حجم التداخل بين العمل العسكري والمصالح الحزبية والفساد المالي، حيث يحاول محور تعز الموالي للإخوان استخدام سلاح الابتزاز السياسي والعسكري لفرض سيطرته على موارد الدولة.
وفي وقت تمضي فيه الحكومة اليمنية نحو إصلاحات صعبة وسط شح الموارد، يقف هذا الملف شاهدًا على تحديات بناء الدولة واستعادة ثقة الشارع اليمني الذي أنهكته الحرب والفساد معًا.