كشفت جولة ميدانية، صباح اليوم الاثنين، على عدد من الصيدليات والمستشفيات وشركات الأدوية في محافظة تعز، عن تحدي صارخ لتوجيهات رئيس الوزراء القاضية بتخفيض أسعار الأدوية تماشيًا مع تعافي الريال اليمني أمام العملات الأجنبية، وسط صمت وعجز من الجهات الرقابية التي تحولت – وفق وصف مواطنين – إلى "عار على المواطن وعبء على صحته".
الجولة أظهرت التزامًا محدودًا من بعض المستشفيات بتخفيض أسعار الخدمات السريرية والأشعة والتحاليل، في حين أغلقت شركات أدوية أبوابها وعلقت إصدار الفواتير، ما فاقم معاناة المرضى، رغم التسهيلات التي أعلنها رئيس الحكومة للشركات.
وفي سياق متصل، كشفت مصادر مطلعة عن شركات تسويق دوائي في شارع أجنات بتعز تعمل بتراخيص صيدليات منتهية الصلاحية، بينما الجهات المانحة للتراخيص تُدار – بحسب المصادر – بعقلية مادية بحتة، تشارك أصحاب المنشآت المخالفة أرباحهم بطرق مباشرة أو ملتوية.
وأكدت المصادر أن موظفين حكوميين صغارًا يتسابقون لزيارة الصيدليات المخالفة بحثًا عن "جبايات يومية"، حيث يدفع أصحاب الصيدليات مبالغ نقدية مقابل تقارير تفتيش مزورة، ليستعيدوا هذه الأموال لاحقًا من جيوب المواطنين عبر رفع أسعار الأدوية.
وتتسع يومًا بعد يوم دائرة الفساد في ملف الصيدليات المخالفة بمدينة تعز، وسط تكشف مستمر لمافيات الدواء التي تهيمن على السوق وتعرض حياة المواطنين للخطر. فالصيدليات التي يفترض أن تكون ملاذًا آمنًا للمرضى، تحولت إلى تجارة رابحة تغزو الأحياء الشعبية أكثر من البقالات والمطاعم، فيما يحقق بعض مالكيها ثراءً فاحشًا ويشترون العقارات والسيارات الفارهة دون أي رقابة.
شهادات مواطنين كشفت أن عددًا كبيرًا من الصيدليات تُدار من قبل أشخاص غير مؤهلين، بعضهم لا يحمل حتى شهادة إعدادية، ما تسبب في كوارث صحية. إحدى الحالات الموثقة، لطفل يبلغ ثلاث سنوات، تدهورت حالته بعد أن أوصى بائع – لا يمتلك أي تأهيل صيدلي – بحقنة "ديبروفوس" المخصصة للحساسية ولمن تجاوز 21 عامًا، وكاد أن يفقد حياته لولا تدخل أطباء مستشفى الصفوة.
استبيان شمل عشر صيدليات في مركز محافظة تعز أظهر أن 75% منها تعمل دون صيادلة مرخصين، بينما يتولى صرف الأدوية عمال لا يملكون أي خبرة طبية، مدفوعين برغبة الملاك في خفض التكاليف، حيث يتقاضى العامل غير المختص نحو 20 دولارًا شهريًا فقط، أي سدس راتب الصيدلي المرخص.
الأدهى أن هناك صيدليات وهمية تدار دون أي تراخيص رسمية، فيما يكتفي مكتب الصحة بحملات تفتيش "استرزاقية" لا تحمي حياة المواطنين من خطر الأدوية المغشوشة أو الاستخدام الخاطئ.
مصدر طبي أكد أن هذه الفوضى ليست جديدة، لكنها بلغت ذروتها خلال سنوات الحرب، محذرًا من أن استمرارها يعني مزيدًا من الأرواح المهدرة.
ويختم مراقبون بالتشديد على أن صحة المواطنين ليست سلعة للمساومة، وأن صمت الجهات المعنية هو مشاركة مباشرة في الجريمة، داعين إلى تدخل عاجل يوقف عبث مافيات الدواء قبل أن يتحول العلاج إلى شهادة وفاة بيد المرضى أنفسهم.