تتباين تفسيرات الخبراء والمحللين الاقتصادين، للتعافي المفاجئ في سعر صرف العملة الوطنية اليمنية، مقارنة بالمعالجات المحدودة المتخذة من قبل البنك المركزي اليمني والحكومة الشرعية في الآونة الأخيرة، في سياق الجهود المبذولة لإنقاذ الوضع الاقتصادي والمعيشي من الانهيار التام.
وفي غضون 3 أيام فقط، استعادت العملة الوطنية أكثر من 400 ريال يمني من قيمتها السعرية، مقابل العملات الأجنبية، في تحسّن مفاجئ هو الأول من نوعه منذ سنوات؛ ما أدى إلى خلق إرباك في أسواق تداول العملات المحلية، في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.
وحتى مساء يوم أمس الأربعاء، وصلت قيمة الدولار الأمريكي الواحد إلى ما يقارب الـ2400 ريال يمني، بعد أيام فقط على الانهيار التاريخي الذي سجلته العملة الوطنية مع اقترابها من حاجز الـ3000 ريال يمني، مقابل الدولار الواحد.
وفي ظل الإجراءات المحدودة للبنك المركزي اليمني والحكومة الشرعية المعترف بهما دوليا، خلال الفترة الأخيرة، واستمرار تضاؤل دور الأدوات المالية والنقدية، أثارت التقلبات الحادة في سعر صرف العملة المحلية، العديد من التساؤلات لدى الشارع اليمني، وسط حالة من عدم اليقين تجاه التعافي اللافت.
نتائج ملموسة
ويرى المحلل الاقتصادي، ماجد الداعري، أن استمرار تحسن صرف العملة المحلية "يأتي نتيجة للتعافي الحقيقي والواقعي، المبني على المعالجات المصرفية والإجراءات الحكومية تجاه الأزمة الاقتصادية ووقف انهيار العملة؛ وهو ما انعكس بنتائج ملموسة على تحسن صرف العملة الوطنية".
وأشار الداعري في حديثه لـ"إرم نيوز"، إلى الإجراءات الحكومية التي بدأت في الشهر الجاري، بتشكيل لجنة تمويل وتنظيم الاستيراد، للتحكم وتنظيم عمليات بيع وشراء العملات من السوق، لغرض استيراد السلع، وهو ما أدى إلى إيقاف المضاربة بالعملة الوطنية، ثم تلتها خطوة البنك المركزي اليمني بتحديد سعر صرف الريال السعودي، وهي المرة الأولى التي يُتخذ فيها هذا الإجراء منذ نقل البنك من صنعاء إلى عدن، باعتباره المتحكّم اليوم بقيمة بقية العملات في السوق.
وذكر أن العقوبات الردعية التي فرضها المركزي اليمني على نحو 30 شركة ومنشأة صرافة مخالفة لإجراءاته، أسهمت بشكل كبير في وقف المضاربة بالعملة المحلية، بالإضافة إلى تفعيل لجنة الموارد السيادية والمحلية، برئاسة عضو مجلس القيادة الرئاسي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عيدروس الزبيدي.
وقال الداعري، إن الاجتماع الأخير للجنة الموارد السيادية والمحلية، أقرّ بإعادة توجيه الموارد إلى خزينة الدولة، وعلى إثر ذلك سارعت الدولة إلى إعلان اللجنة العليا للموازنات العامة لأول مرة منذ انقلاب ميليشيا الحوثيين في العام 2015.
وخلال حضوره اجتماع الحكومة أمس الأربعاء في عدن، أكد محافظ البنك المركزي اليمني، أحمد المعبقي، اكتمال نقل المنظومة المصرفية العاملة كاملة إلى العاصمة المؤقتة، مشيرا إلى إجراءات البنك المتعلقة بالتدخل في السوق خلال فترات ارتفاع أسعار الصرف، والاستمرار في إيقاف أي إصدار نقدي جديد، بالإضافة إلى تفعيل أدوات الدّين العام وتعزيز الرقابة على سوق الصرف، وشراكات المركزي اليمني مع المؤسسات المالية الدولية والبنوك المركزية.
تأثير المضاربين
ويعتقد رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، مصطفى نصر، أن جزءا من التعافي الجاري في سعر صرف الريال اليمني، "حقيقي بسبب إجراءات المركزي اليمني التي عملت على ضبط التراجع المتسارع، لكن جزءا منه يعود إلى تأثير المضاربين بالعملة".
وقال نصر في حديثه لـ"إرم نيوز"، إن المضاربين في السوق يحاولون الاستفادة والتكسّب من هذه الموجة نتيجة علمهم بأن سعر الدولار سيعاود الصعود، وإن لم يكن بالوتيرة نفسها السابقة. مبيّنا أن المضاربة بالعملة وتلاعب الصيارفة، هي إحدى أبرز المشاكل المتعلّقة بالعملة اليمنية، وبإمكان البنك المركزي السيطرة على هذا الوضع، ووضع إجراءات تنهي هذا التأثير السلبي.
وبحسب نصر، فإن موارد الحكومة الشرعية تعد المشكلة، لكنها تقع خارج نطاق قدرات البنك المركزي، "ومن ثم يُفترض أن تُسند خطوات المركزي اليمني عبر توفير إيرادات لتغطية النفقات، وعدم الضغط على السوق للاستدانة أو السحب على المكشوف؛ ما قد يؤدي إلى مزيد من التدهور".
تحسّن صوري
بدوره، حذّر الخبير الاقتصادي، محمد الجماعي، من اندفاع بعض المواطنين نحو صرف مدخراتهم من العملات الأجنبية، خشية حدوث هبوط أكبر، والوقوع في شراك وفخاخ الصرافين الذين استغلوا حالة الفزع للحصول على أكبر قدر من العملة الصعبة، قبل معاودة رفع سعرها.
ويشير الجماعي في حديثه لـ"إرم نيوز"، إلى عدم وجود عوامل "يمكن إرجاع هذا التحسّن الصوري إليها، لا وديعة قادمة ولا منحة ولا قروض، ولا يوجد أي تحوّل طارئ في وضع السوق".
وتابع: "إنه باستثناء الإجراءات المعلنة من قبل المركزي ضد عدد من شركات الصرافة، وتحديد السقف الأعلى لسعر الصرف، والتهديد بعقوبات قاسية لمن يتجاوزه، لا يمكن القول إن هناك أسبابا أخرى لتراجع العملات الأخرى أمام العملة المحلية".
وأردف، أن إجراءات البنك المركزي "ما تزال غير كافية لإحداث هذا التراجع على الرغم من أهميتها، ويجب أن تكون مسنودة بإجراءات حكومية جادة وإصلاحات حقيقية".