تحوّلت منطقة "سائلة الجنات" شرق مدينة تعز، اليوم الأربعاء، إلى ساحة اشتباك عنيف، إثر نزاع محتدم حول السيطرة على آبار مياه وقفية استراتيجية تُعد شريان الحياة لأحياء واسعة من المدينة القديمة، ما أسفر عن إصابة خمسة مواطنين، في وقتٍ تتصاعد فيه المخاوف من أزمة مائية حادة تهدد آلاف السكان.
مصادر محلية وشهود عيان أفادوا بأن الاشتباكات اندلعت في حي الرجم، بعد أن حاولت مجموعة من الأفراد المدعومة بعقود تأجير صادرة عن مكتب الأوقاف، السيطرة على آبار الجنات، وهي من أهم منابع المياه الوقفية في المحافظة. وتغذّي هذه الآبار أحياء "المعسل"، و"السراجية"، و"المعتبية"، و"الأشرفية"، و"المظفر"، إضافة إلى عدد من المساجد والمرافق العامة.
وتسببت المواجهات التي استمرت لساعات في حالة من الذعر بين الأهالي، ودفعت العديد من الأسر إلى مغادرة منازلها مؤقتاً خشية تفاقم الوضع، وسط غياب ملحوظ للأمن وغياب موقف حاسم من السلطات المحلية.
المستأجر المطرود يشعل الفتيل
وبحسب وثائق رسمية، فإن جذور الأزمة تعود إلى قيام مكتب الأوقاف في تعز بإلغاء عقد الإيجار مع المدعو جمال الجلال، بعد أن أخل بشروط العقد وفشل في توصيل المياه للمساجد، مخالفًا ما تم الاتفاق عليه.
لكن المفاجأة أن الجلال عاد للسيطرة بالقوة على المنبع، ما أدى إلى قطع المياه عن مساجد المدينة ومئات الأهالي المحيطين بالمنطقة.
ووجهت إدارة الشؤون القانونية بمكتب الأوقاف مذكرة إلى شرطة تعز، أكدت فيها وقوع اعتداءات متكررة على منابع المياه الوقفية، ووجود أطراف تقوم بربط مواسير خاصة إلى المنبع الرئيسي بشكل مخالف، ما يُعد تعديًا مباشرًا على الوقف وانتهاكًا لحق عام.
مئات العيون المستهدفة... وصمت رسمي
تشير تقارير محلية إلى أن أكثر من 200 عين ماء وقفية في تعز تعرضت خلال السنوات الماضية للاستيلاء من قبل نافذين، في ظل تراخٍ إداري وضعف رقابي مزمن، ما يُهدد بانهيار شبكة التغذية المائية التقليدية، التي تُعد من إرث المدينة الحضاري والديني.
وأكدت مصادر من داخل مكتب الأوقاف أن هذه الأزمة هي قمة جبل الجليد في ملف بالغ الحساسية، حيث يسعى المكتب حاليًا إلى فتح ملف استعادة أصول الأوقاف المسلوبة، لكن ذلك يتطلب دعمًا حقيقيًا من الأجهزة الأمنية والسلطة المحلية والمجتمع المدني، نظرًا لتشابك النفوذ والمصالح في هذا القطاع.
خطر إنساني داهم
ويحذر ناشطون في تعز من أن استمرار النزاع سيُفضي إلى كارثة خدمية وإنسانية، خصوصاً مع اعتماد آلاف السكان على هذه المنابع، في ظل الانهيار المستمر لشبكة المياه الحكومية، وندرة مصادر بديلة، في مدينة محاصرة بالحرب والتهميش.
ودعا ناشطون وحقوقيون إلى عقد جلسة طارئة للمجلس المحلي في المدينة، وتشكيل لجنة تحقيق مستقلة للنظر في شرعية عقود التأجير ومدى التزام المستأجرين بها، مع التشديد على منع المتاجرة بمصادر الحياة الأساسية وتحويل الأوقاف إلى ساحة نفوذ.