آخر تحديث :الأحد-06 يوليو 2025-01:01ص
اخبار وتقارير

مياه الموت في تعز.. محطات مخالفة تعبث بصحة المواطنين وسط صمت فاضح ورشاوى تحمي الفساد

مياه الموت في تعز.. محطات مخالفة تعبث بصحة المواطنين وسط صمت فاضح ورشاوى تحمي الفساد
السبت - 05 يوليو 2025 - 09:12 م بتوقيت عدن
- نافذة اليمن - محرم الحاج

في مدينة تعز، التي أنهكتها الحرب وأثقلها الإهمال، تتفجّر فضيحة صحية مدوية تتعلق بمحطات تحلية المياه، التي تحوّل كثير منها إلى مصدر تهديد مباشر لحياة المواطنين بدلًا من أن تكون وسيلة لإنقاذهم من العطش.

تحقيق ميداني خاص يكشف عن واقع صادم لمعظم محطات التحلية المنتشرة في أحياء مدينة تعز، حيث تغيب أبسط معايير النظافة والاشتراطات الصحية، فيما تفشل المحطات في الالتزام بالمواصفات اليمنية للمياه المعالجة، وسط تفشي معامل سرية ومجهولة الهوية تقوم بتصنيع المياه وتعبئتها دون أي تراخيص قانونية، أو رقابة صحية، ومن ثم تُباع للمواطنين بأسعار منافسة، لكن بثمن صحي باهظ.

مياه ملوثة بأمراض قاتلة

أصوات كثيرة ارتفعت محذّرة من انتشار أمراض قاتلة مثل الكوليرا، التيفوئيد، والأميبا عبر المياه الملوثة التي تباع في الأسواق، في ظل تورط متنفذين بحماية ملاك المحطات المخالفة، ما يجعل الفساد مغطى بمظلة نفوذ لا تخترقها الرقابة ولا تطالها المحاسبة.

شهادات صادمة من المواطنين:

في لقاءات متفرقة مع عدد من السكان، أكد المواطنون أن 70% من المياه المتوفرة في السوق مجهولة المصدر، بينما لا يهتم الكثيرون بنوع المنتج عند شرائه، نتيجة الفقر وقلة الخيارات. وأوضح بعضهم أن محطات الحي لا تعالج المياه فعليًا، وأن أجهزة المعالجة تستخدم كـ"ديكور" فقط، فيما بعضها لا يُبدل فلاتر المعالجة منذ تأسيسه.

مواطنون تحدثوا عن مياه تحتوي على أحجار صغيرة جدًا، وأخرى مالحة أو مشبعة برائحة الكلور، بل ذهب أحدهم إلى السخرية من محطة حارته قائلاً إنها "تحولت إلى مجلس قات وشيشة للشباب أكثر من كونها محطة تنقية".

زيارات ميدانية كشفت الكارثة

خلال زيارة ميدانية لـ 8 محطات في أحياء متفرقة من المدينة، بدت أغلبها مرتبة ونظيفة من الخارج، إلا أن اثنتين منها كشفت عن واقع مزرٍ: إحداها كانت محطة (م.ص.أ)، التي لم تُظهر الحد الأدنى من النظافة، حيث اعترف مالكها أن المحطة أُغلقت سابقًا بسبب ارتفاع ملوحة المياه، مرجعًا السبب إلى عدم الاستعانة بمهندس مختص عند تركيب وحدة المعالجة، لتوفير التكاليف!

أما محطة أخرى، فاتهمها المواطنون بـ"بيع مياه غير معالجة أحيانًا"، وعند مواجهتها، برر المالك ذلك بارتفاع فاتورة الكهرباء وعدم إمكانية تشغيل وحدة المعالجة طوال الوقت، في مخالفة صريحة للحد الأدنى من المعايير الصحية.

الفساد يحمي الفاسدين

الصدمة الأكبر جاءت من تصريحات ملاك بعض المحطات، الذين كشفوا عن ابتزاز ممنهج من قبل سماسرة محسوبين على قيادات محلية وتنفيذية، وقيام بعضهم بدفع رشاوى لتجنب الإغلاق أو "خلق مشكلات مفتعلة". وأشار أحدهم إلى أنه يواجه تهمًا ملفقة فقط لأنه رفض دفع إتاوات غير قانونية، رغم سعيه لتشغيل محطته بشكل قانوني.

في المقابل، أكد قاضي محلي – فضل عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية – أن معظم القضايا الكبيرة المرتبطة بمحطات المياه المخالفة لا تصل إلى المحكمة أصلًا، لأن المتورطين غالبًا ما يكونون من النافذين أو التجار المحميين، بينما يُحاكم البسطاء فقط.

الكارثة الصامتة:

التحقيق يسلّط الضوء على خطر صحي محدق بمدينة بأكملها، في ظل سكوت الجهات الرقابية، ورضوخ بعض مسؤوليها أمام سطوة المال والنفوذ، لتتحول مياه الشرب من "نبض حياة" إلى "سلاح صامت يفتك بالأجساد دون صوت".

ويبقى السؤال الصعب: من يوقف نزيف الصحة في تعز؟ ومن يضمن أن ما نشربه ليس موتاً ناعماً مغلفًا بزجاجة مياه باردة؟