"أنا مجبر على منع أطفالي من الخروج واللعب مع أصدقائهم خلال أيام العيد لهذا العام، لعدم اقتنائهم لملابس جديدة يلعبون بها مع أقرانهم الذين بالتأكيد ستظهر كسوة العيد الجميلة عليهم، ما باليد حيلة، هذا قرار لا بد منه، حتى لا تتأثر نفسية أطفالي أمام اقرانهم" بصوت تملؤه مرارة الحياة القاسية، يحكي التربوي في مدينة عدن (ي. ن. ع. أ).
يضيف: “حتى في حال صرف المرتبات، فإنها "لا تسمن ولا تغني من جوع"، كونه يتقاضى مرتباً بحدود الـ50 ألف ريال (أي ما يعادل 50 دولارًا)، هذا المبلغ لا يفي بشيء يذكر من احتياجات الأسرة المتعددة، تزامناً مع موجة غلاء فاحش في الملابس والأغذية والمشتروات الضرورية"، حد تعبيره.
معاناة لا تنتهي
وسط الكثير من الأعذار والوعود، أوشك العيد أن يأتي وما زال التربوي المعلم (ي. ن. ع. أ)، يبحث عمن يستدين منه المال لشراء كسوة العيد لأطفاله في ظل وضع متأزم تأخرت فيه مرتبات التربويين، ولم يجد ضالته بعد للأسف، كما يقول.
14 ألف معلم ومعلمة في العاصمة عدن فقط يعانون كذلك ما يعانيه التربوي "ي. ن. ع. أ"، حيث تشير الإحصائيات بأن إجمالي عدد المعلمين في محافظات جنوب اليمن يبلغ نحو 96 ألف معلم ومعلمة، منهم 14 ألفا في المدينة الساحلية، وفقاً لتصريحات سابقة للمسؤول الإعلامي لنقابة المعلمين والتربويين الجنوبيين.
عيد أضحى استثنائي يسلب أطفال التربويين فرحة العيد، تعيشه عدن هذا العام، في ظل انهيار الريال اليمني أمام العملات الأجنبية وانهيار الوضع الاقتصادي، ومما زاد الوضع سوءاً "تأخر مرتباتهم".
أجور غير عادلة
"لا تقتصر معاناة المعلمين والمعلمات في عدن على تأخر المرتبات فقط، بل هي منذ سنوات بحكم توقف العلاوات السنوية وارتفاع العملة الذي كان له تداعيات كبيرة على المعلم حيث يتقاضى معلمو 2011، مبلغا يقدر بـ(53 ألف ريال) أقل من خمسين دولاراً" تقول التربوية هناء أحمد الأستاذة في ثانوية عدن النموذجية للبنات – المنصورة.
واشتكت المعلمة هناء، من المرتبات الضئيلة في ظل خدمة تجاوزت 35 عاما، ليتقاضوا فقط 120 ألفا، أي (120$) فقط وانهيار العملة متواصل. مؤكدة أنه وحتى إذا تم صرف المرتبات لن تفي غرض القدرة الشرائية وسط الارتفاع الجنوني للأسعار.
معلمون منسيون
واستغربت رئيسة الدائرة الإعلامية والثقافية لنقابة المعلمين والتربويين الجنوبيين للعاصمة عدن، أَ. رحمة عيدروس، عن كيف سيتقبل المعلم "عيد الأضحى"، بلا راتب.. بينما قيمة سلة الرز اليوم أعلى من راتبه، حيث يعاني المعلم من رواتب منخفضة (40_50) ألف ريال، والذي طالب مراراً وتكراراً وطرق أبواب الحكومة لمعالجة وضعه المعيشي، ولم يجد أي تجاوب، على حد قولها.
وتساءلت، كيف يستطيع اليوم شراء أضحية تتجاوز ثلاثة أضعاف راتبه الشهري، خلاف معاناته في سداد مصاريفه اليومية من الأكل والشرب في ظل انقطاع الماء والبعض يضطر إلى شراء الماء من "البوز" بمبلغ وقدره، وارتفاع الإيجارات التي وصلت أن تُدفع بالعملة الصعبة. ولخصت الوضع بأن المواطن سيبقى يعاني الأمرّين بين العوز وفقدان الحياة الكريمة.
غياب فرص التحسن
ولا تكمن أكبر مشاكل التربويين والمواطنين، في تأخير المرتبات، فقد عصف انهيار العملة اليمنية بيومياتهم، وسجل انهيارا ضخما في الآونة الأخيرة حيث كسر حاجز الألف ريال مقابل كل دولار واحد فقط، الأمر الذي أدى إلى تكبد انهيار فادح في مدخرات المواطن حيث سيواجه موجة أسعار فاحشة في شراء المستلزمات الأولية فقط للمعيشة، عوضاً عن تلك الكمالية التي لن يستطيع الوصول إليها بمرتبه الضئيل.
الفقر سيد المشهد
إلى ذلك يقول الصحفي، عبدالرحمن أنيس، إن انهيار العملة الوطنية وفقدان الريال اليمني أكثر من ثلثي قيمته أمام الدولار هو أسوأ ما خلفته الحرب التي دخلت عامها السابع.
وأضاف، إن انهيار العملة مس المواطن البسيط في رزقه وعيشه وقوت أولاده، موضحاً أن المواطن الذي كان يتسلم ما يعادل 300 دولار قبل عام 2015 بات راتبه اليوم يعادل 60 دولاراً، أي أنه أصبح يعيش على دولارين في اليوم، الأمر الذي فاقم حالة الفقر والمجاعة وفاقم الأعباء التي يعاني منها المواطن.
وأشار، إلى أن دول التحالف العربي ومنظمات الإغاثة عليها اليوم أن تكف عن توزيع كراتين التمر وعلب الفاصوليا وأن تتجه بكل دعمها تجاه العملة الوطنية فقط، فبدون استعادة العملة الوطنية لعافيتها لن تنفع أي حلول إغاثية جزئية وسيظل الفقر والجوع هو سيد المشهد في اليمن.
طفولة بائسة
منظمة اليونيسف، قالت في وقت سابق، إنه من المتوقع أن يعاني ما يقرب من 2,3 مليون طفل دون الخامسة من سوء التغذية الحاد عام 2021. كما من المتوقع أن يعاني 400,000 طفل منهم من سوء التغذية الحاد الوخيم مع إمكانية تعرضهم للوفاة في حال عدم حصولهم على العلاج بصورة عاجلة.
قوة شرائية ميتة
ومع انهيار الاقتصاد وتهاوي الريال اليمني إلى الحضيض، تدهورت القوة الشرائية قُبيل عيد الأضحى، حيث قال نبيل، مالك أحد محلات الملابس، إن القوة الشرائية تراجعت بشكل ملحوظ جداً، مع الارتفاع الجنوني للأسعار، وشكا هو الآخر من عدم استطاعته لشراء بضاعة جديدة في حين أن تجار الجملة قاموا برفع الأسعار تزامناً مع ارتفاع الدولار، مؤكداً أنه تسبب له بخسارة فادحة من ناحية دفع إيجار المحل الباهظ إضافة إلى تكاليف وقود المولد.
إغلاق محال تجارية
وكانت منى الخضر، صاحبة محل "ستايلي كيذز"، أكدت في وقت سابق، عبر صفحتها الرسمية، إغلاق أبواب المحل وإيقاف البيع كلياً، بسبب قفزة أسعار الدولار مقابل الريال اليمني المنهار الذي سجل اليوم ألف يمني لكل دولار.
المجاعة تهدد الملايين
يذكر أن تقديرات تحليل وثيقة النظرة العامة للاحتياجات الإنسانية لعام 2021 الذي أصدره الفريق القُطري الإنساني في اليمن في 22 فبراير من العام الجاري، تشير إلى أن أكثر من 20.7 مليون شخص بحاجة إلى المساعدات الإنسانية للعام الحالي، في حين تشير التقديرات إلى أن 12.1 مليون شخص منهم بحاجة ماسة للمساعدات الإنسانية.
وتعتبر اليمن من بين أفقر الدول في العالم العربي حتى قبل اندلاع القتال في أوائل 2015. فمتوسط العمر المتوقع للسكان يقل عن 64، يأتي اليمن في المرتبة 177 من أصل 189 في مؤشر التنمية البشرية 2019.
اليمن الذي تطحنه الحرب للعام السابع على التوالي يعيش أزمة إنسانية هي الأسوأ عالميًا.
معاناة جماعية
يتشارك المارة في الأسواق، نفس الهموم، من مواطنين وأصحاب محلات، يكاد الجميع يذرف دموعه، بسبب الوضع المعيشي الصعب الذي يتخطى خط الفقر ليفاقم معاناتهم كل يوم في ظل أزمة الحرب التي تعيشها اليمن.
- أنتج هذا التقرير بإشراف من مؤسسة الصحافة الإنسانية – ضمن مخرجات مشروع تدريبات الصحافة الإنسانية – يوليو 2021 .