آخر تحديث :السبت-27 يوليه 2024-01:35ص

فن وثقافة


نجمة الشباك في السينما العربية ظاهرة لا يمكن تكرارها

نجمة الشباك في السينما العربية ظاهرة لا يمكن تكرارها

الثلاثاء - 06 أكتوبر 2020 - 02:00 م بتوقيت عدن

- نافذة اليمن - وكالات

انتهت قبل أيام الفنانة المصرية مُنى زكي من تصوير فيلمها الجديد “الصندوق الأسود” بعد غياب طويل عن السينما، ما اعتبره البعض بارقة أمل في استعادة زمن نجمات الصف الأول في مصر، والقادرات على أن يحملن على عاتقهن نجاح فيلم ما.

يكشف الخبر عن أفول تام لظاهرة النجمات البارعات اللاتي ساهمن على مدى حقب الثمانينات والتسعينات في انعاش السينما العربية، وقدمن بطولات فنية متميزة، وكان الجمهور شغوفا بالذهاب إليهن خصيصا.

يرى البعض من النقاد أن مُجرد إعلان فنانة عن بطولة فيلم سينمائي جديد نوع من المخاطرة غير المضمونة في ظل تداعي ظاهرة فنانات الشباك تدريجيا، إلى درجة ترسخ قناعة لدى قطاع كبير من الجمهور، مفادها أن أيا من الفنانات الماهرات لا يمكنها الانفراد ببطولة فيلم ما الآن دون مشاركة فنانين وفنانات لهم حضور جماهيري مميز.

كان مُجرد الإعلان عن فيلم جديد في ثمانينات القرن الماضي تقوم ببطولته نادية الجندي مثلا، كفيلا بإنجاح الفيلم على مستوى شباك التذاكر، على الرغم من أن معظم النقاد كانوا يرفضون الأداء التمثيلي المغرق في الافتعال، وينتقدون قصصها التجارية ذات الخلطة المعتادة للعنف والإثارة والجنس والرقص والإغراء.

حازت الجندي وقتها على لقب “نجمة الجماهير”، الذي أطلقته شركة الإنتاج السينمائي الخاصة عليها، كلقب تجاري في المقام الأول، لكنه عكس إقبالا حقيقيا للجمهور على أفلامها، بغض النظر عن محتوى الفيلم ومستوى براعة فريق العمل، ودون التفات لنوعية الجمهور المهتم.

وصل الأمر بالشركات المنتجة وقتها، إلى أنه لم يكن مُهما لديها أسماء النجوم المشاركين من الرجال بجانب نجمة الجماهير، وكان اسمها وصورتها على أفيش الفيلم كفيلين بملء دور العرض وتحقيق النجاح التجاري. وأسهمت أفلامها “امرأة فوق القمة”، و”امرأة هزت عرش مصر”، و”مهمة في تل أبيب”، وغيرها من الأفلام، في ارتباط قطاع كبير من الجمهور بها.

على جانب آخر، قدمت الفنانة نبيلة عبيد نموذجا مقاربا، ومصورا للأنوثة الطاغية القادرة على حجز مكانة هامة لدى الجمهور، مع تميز في الأداء الفني مقارنة بنادية الجندي، ما دفع بعض المنتجين إلى إطلاق لقب “نجمة مصر الأولى” عليها للتأكيد على سبقها وريادتها.

ومثلت أفلامها تكرارا لفكرة النجمة الرائدة التي يجذب اسمها وصورتها الجماهير، بصرف النظر عمَن يشاركها البطولة من الرجال، وظهر ذلك جليا في أفلام مثل: “الراقصة والسياسي”، و”الراقصة والطبال”، و”كشف المستور” وغيرها.

يبدو زمن نادية الجندي ونبيلة عبيد وفاتن حمامة ومديحة كامل وميرفت أمين وسعاد حسني، وغيرهن، كان امتدادا طبيعيا لزمن نجمات سابقات، لهن الحضور الطاغي والجماهيرية الواسعة.

كان مجرد ذكر فاتن حمامة وليلى مراد وسعاد حسني وميرفت أمين، يفتح شباك التذاكر على مصراعيه، إلا أن تجربة الثمانينات كانت أكثر خصوصية وزخما وأشد تأثيرا في أجيال عديدة في المجتمعات العربية.

استمرت الظاهرة سائدة طوال التسعينات تعلو حينا وتهبط حينا، غير أنها بدت أقل لمعانا مع الجيل التالي من الفنانات مثل ليلى علوي وإلهام شاهين ويسرا، واللاتي حاولن سد فراغ أفول مرحلة نجومية الجندي وعبيد، بشكل أقل حضورا، ولم تلبث أن تراجعت الظاهرة مع بدء الألفية الجديدة.

ظهر الأمر بوضوح مع تكرار تمثيل نجمات الصف الأول إلى جوار نجمات آخريات دون أسبقية اسم كما هو الحال مع ليلى علوي في فيلم “حب البنات” سنة 2004، ليظهر اسمها إلى جوار حنان ترك وحلا شيحة في بطولة جماعية يشارك فيها الفنان أشرف عبدالباقي.

تراجعت الظاهرة مع موجة أفلام الحركة والكوميديا الجديدة التي لمع فيها فنانون رجال مثل: أحمد السقا وأحمد حلمي ومحمد هنيدي ومحمد سعد، ثم أحمد عز وكريم عبدالعزيز وآسر ياسين، وغيرهم، ثم محمد رمضان في مرحلة لاحقة.

ورغم وجود فنانات متميزات في الأداء ويتمتعن بدرجات عالية من القبول في الوقت الحالي مثل: هند صبري ومنى زكي ومنة شلبي ونيللي كريم، فأي منهن غير قادرات على استعادة زمن نجمات الشباك الرائدات، ليس لضعفهن الفني مقارنة بالسابقات، إنما لأن الزمن اختلف بشكل كبير.

يرجع أفول زمن نجمات شباك السينما إلى بعض المتغيرات المجتمعية التي انعكست بشكل مباشر على الجمهور وغيرت قناعاته واختياراته، وفي مقدمّها ظهور الإنترنت وانتشارها في المجتمع، ما فتح نوافذ جديدة للجمهور العام للإطلال على مشاهد أكثر إثارة.

ليس سرا أن جانبا كبيرا من جمهور نجمات السينما في الثمانينات كان يرى فيهن نموذجا للأنثى المشتهاة، ما يدفع الشباب إلى التعلق بهن باعتبارهن نساء الأحلام. ورأى البعض من الجمهور أن مشاهد الجنس المنطوية ضمن سياق أحداث الفيلم فرصة للإطلال على مُتعة شبه غائبة عنه.

وقلبت شبكة الإنترنت بفضاءاتها اللامحدودة وما أتاحته من مشاهد أكثر إثارة في أفلام عالمية كانت محجوبة من قبل بواسطة الرقابة، الكثير من موازين تلك المعادلة، ولم تعد هناك حاجة لتقبل الأداء الفني المتوسط أو المتواضع تحت شغف مشاهدة لقطات مثيرة.

ثاني المُتغيرات في هذا الشأن، أن نجمات السينما الرائدات بزغن في ظل تمدد حقيقي لتيار النسوية في البلاد العربية، وبدا ذلك في  تكرار ثيمة واحدة في معظم الأفلام  تعتمد على تقديم نموذج لامراة خارقة، وشديدة البأس، وصلبة النفس، وتتمتع بذكاء شديد، وهي دوما منتصرة على الجميع، ما يمثل خروجا عن الصورة المعتادة للمرأة، وهو ما كان مثيرا للانتباه، وأصبح له أنصار ومؤيدون.

إذا كان ظهور هذا التيار جاء كرد فعل معادل لصعود التيارات الدينية في المجتمعات العربية، لم يلبث أن بدأ مرحلة الانزواء مرة أخرى، وبات خطاب المظلومية العام أكثر قبولا من خطاب النسوية.

علاوة على تدهور صناعة السينما ككل بعد زمن من الثورات والاضطرابات والتحولات الخطيرة، وأدى التراجع الكبير في الظروف المعيشية للعامة إلى تراجع الاهتمام بالسينما، وتحولها إلى شأن فرعي أو هامشي، وكثيرا ما ينظر إليها باعتبارها نوعا من الترف، ونجم عن ذلك اهتزاز كبير في الصناعة، واختلال كبير في الكثير من الظواهر الفنية. 

أتاح ظهور منصات العرض المنزلي واتساعها خلال السنوات الماضية، بصيصا من الأمل في وجود فرصة جديدة تبدو مثالية لعودة الانتعاش إلى صناعة السينما في العالم العربي ككل. ويقول نقاد، إن الأمر يبدو سلاحا ذا حدين، حيث وضعت هذه المنصات الفيلم العربي في مقارنة دائمة لدى المشاهد مع الأفلام العالمية المتاحة عبر ذات المنصة.

وأكد أحد السينمائيين المنغمسين في هموم صناعة السينما عملا وبحثا، لـ”العرب”، أن أي فيلم يتم وزنه قبل عرضه على المنصات العالمية، وهذا الوزن يعتمد على عناصر جذب متنوعة، تشمل في الغالب الإثارة، التشويق، التصوير، القصة، الحبكة، فضلا عن أداء الممثلين مجتمعين.

في مثل هذا الإطار، فالفيلم الذي تجسد البطولة فيه امرأة منفردة غالبا ما تنقصه بعض عناصر الجذب الأخرى، ما يجعله غير جدير بالعرض. وقال إن العالم الآن صار ينظر إلى فكرة النسوية في الفن والأدب والتطور الإنساني باعتبارها ظاهرة قديمة تُمثل نوعا من الانتقائية النوعية، ولذلك فزمن نجمة الجماهير لم يعد قابلا للتكرار في السينما العربية.