ليس من السهل على الإنسان أن يعرف أكثر من محيطه، او ان يحط بما لم يحط به الناس خبرا
سواء بحكم موقعه، أو حساسية عمله، أو التجربة التي مرّ بها، أو الألم الذي صقله على مهل.
هذه ليست ميزة مجانية، بل عبء ثقيل، ومسؤولية خفية، وعزلة غير معلنة. فالمعرفة لا تأتي وحدها، بل تصحبها وحدة، وتجرّ خلفها شكوكا، وتضع صاحبها دائما في موضع الاتهام: لماذا ترى ما لا نراه؟ ولماذا لا تهتف معنا؟ 🤷🏻♂️
حين تنظر حولك بصدق، ستلاحظ مفارقة قاسية كل او اغلب الذين يعرفون فعلا لا يتكلمون إلا نادرا ليس لأنهم يخفون معلومة، ولا لأنهم بخلاء في مشاركة الفهم، بل لأنهم تعلموا بالتجربة أن الكلمة في غير وقتها تتحول إلى جريمة، وأن الحقيقة إذا قيلت في حضرة التعصب تُعد خيانة.
الصمت هنا ليس خوفا بالمعنى الشعبي ، بل تقدير لحجم الخسارة المحتملة، ووعيا بأن بعض العقول لا تريد أن تفهم، بل تريد أن تطمأن فقط.
المجتمع لا يعادي الجهل بقدر ما يعادي من يكشفه. الجاهل المتحمس أكثر خطرا من الجاهل الصامت، لأنه لا يبحث عن حقيقة، بل عن نشوة. وحين تأتيه بمعلومة تهدد هذه النشوة، فأنت لا تصحح مسارا، بل تطفئ نارا كان يتدفأ بها.
لذلك يُقابل صاحب الرؤية غالبا بالغضب، لا بالنقاش بالاتهام، لا بالسؤال. فالحقيقة في لحظة الاشتعال تُعد استفزازا، حتى وإن كانت حقيقة.
وهنا تكمن المأساة الحقيقية أن يُدفع أصحاب الفهم إلى الصمت، ويُترك المجال فارغا لأصحاب الصوت الأعلى، لا الفكرة الأعمق. أن تُدار اللحظات المصيرية بالعاطفة، لا بالبصيرة. وأن يصبح العقل عبئا، بينما يُكافأ الانسياق. ومع ذلك، يبقى الصامتون هناك، يراقبون، ويحسبون، ويعرفون أن التاريخ لا يُكتب بالهتاف، بل بالفهم ولو جاء متأخرا 🙋🏻♂️