آخر تحديث :الثلاثاء-09 ديسمبر 2025-02:43ص

ثورات خرجت عن مسارها

الثلاثاء - 09 ديسمبر 2025 - الساعة 02:42 ص

حسين الوادعي
بقلم: حسين الوادعي
- ارشيف الكاتب


كان جورج طرابيشي قد تخوّف في 2011 من أن “محطّة الوصول قد لا تكون مطابقة لمحطّة انطلاق قطار الثورات. ولأعترف للقارئ بأني ابن الخيبة بالثورة الإيرانية الآفلة أكثر مني ابن الأمل بالثورات المشرقة.”!

وتحقّق تخوّفه وتوجّسه في آخر مقال كتبه في 2016 قال فيه: “ما قام البرهان على أنه كان في محلّه هو توجّسي بالذات: فالربيع العربي لم يفتح من أبواب أخرى غير أبواب الجحيم والردّة إلى ما قبل الحداثة المأمولة والغرق من جديد في مستنقع القرون الوسطى الصليبية/الهلالية.”


لم تنجح ثورات “الربيع العربي” التي أخذت اسمها من ربيع ثورات أوروبا الشرقية في صدّ الأنظمة الشمولية، في تحقيق الانتقال إلى الديمقراطية والحرية. على العكس من ذلك، عادت أغلب دول الربيع إلى وضع أسوأ من الوضع الذي ثارت عليه. لم يكن سبب ذلك أن الأنظمة القمعية كانت على حق. كلا! كان السبب أن قطار الثورة اختُطِف من قبل القوى الظلامية التي كانت تسيطر على الشارع والبندقية والمال والخطاب العام.


كانت ثورات أوروبا القرن التاسع عشر وليدة عصر التنوير، وكانت ثورات الربيع الأوروبي وليدة التنوير الأوروبي مضافًا إليه ميراث ما بعد الحرب العالمية الثانية حول الديمقراطية وحقوق الإنسان.


أما ثورات الربيع العربي فكانت مولودًا مشوّهًا لبيئة مسكونة بطائفية وعقلية قروسطية وسوء ظن بالديمقراطية وإنكار لحقوق الإنسان. كانت صراعًا بين طائفية الشارع وطائفية القصر. لهذا كانت "الخمينية" مصير هذه الثورات. تبدأ الثورة مدنية تسعى للحرية والعدالة والديمقراطية وتنتهي بانتصار الثائر الرجعي على الحاكم المستبد والقاتل.


لهذا كانت محطّة وصول الثورة السورية في ديسمبر 2024 مخالفة لمحطّة انطلاقها في 2011. ولحظة التحرير كانت لحظة رعب وخوف من “أبد” جولاني لاهوتي جديد أشد وطأة من الأبد العسكري الأسدي. وهي نفس اللحظة التي انتهى إليها الربيع اليمني 2014، والربيع الليبي قبله.


يتفاءل البعض حول حدوث تحسن في الأوضاع وإخراج سوريا من عزلتها الدولية وإعادة بناء الاقتصاد. وكل هذه الأهداف مشروعة والتفاءل مشروع، وإن كان قطار الإصلاح، مثله مثل قطار الثورة، لا يمكن أن يصل إذا كانت محطة الوصول المستهدفة مختلفة تماما عن المحطة المعلنة عند الانطلاق.