ليست المرة الأولى التي تتحدث فيها الولايات المتحدة الأمريكية عن نيتها تصنيف تنظيم الإخوان المسلمين الدولي كمنظمة إرهابية، فمنذ سنوات وهي تهدد، دون أن تفعل، لأسباب تقول أنها معقدة تحوْل دون ذلك… يوم أمس أعلن البيت الأبيض في حسابه الرسمي على منصة “إكس” إن الرئيس ترامب قد تعهد بأشد العبارات بتصنيف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية ، وبأنه يتم حاليا إعداد الوثائق النهائية لتصنيف الجماعة حركة إرهابية أجنبية داخل الأراضي الامريكية”.
هذا التصنيف إن تم بالفعل سيؤثر على الحركة قانونيا وماليًا بالداخل الأمريكي وربما الى حد ما في بعض دول أوروبا، لكن من غير المتوقع أن يكون له تأثيرا كبيرا خارجها وبالذات في الشرق الأوسط المعقل الرئيس للحركة، لعدة أسباب منها:
– أنه لا يوجد اصلا مسميات قانونية للاحزاب المحسوبة على تنظيم الإخوان المسلمين في الدول التي توجد فيها هذه الأحزاب بمسى صريح اسمه الإخوان المسلمين، فكلها بمسميات مختلفة ومتخفية، بل إن بعضها ينكر انتمائه الإيديولوجي والفكري للحركة الاخوانية كما هو الحال مع حزب التجمع اليمني للإصلاح في اليمن وفي الأردن حزب جبهة العمل الإسلامي . وحتى في فلسطين حركة حماس.
– الامر الاخر ان القرار الأمريكي المزمع إقراره يتحدث عن تصنيف الحركة كحركة اجنبية إرهابية بالداخل الأمريكي.
ad
-كما ان بعض الأحزاب المحسوبة على تنظيم الإخوان هي شريكة بالحكم في بعض الدول ومنها اليمن والأردن وحتى في تركيا ، تركيا الحليف الوثيق للولايات المتحدة في حلف الناتو،فسيكون من الصعوبة بمكان على الولايات المتحدة الأمريكية اعتبار جزء من تلك الحكومات والتي معظمها موالية لواشنطن بأنها حكومات تتشارك الحكم مع حركة إرهابية . فلا واشنطن بوسعها ان تضغط على تلك الأنظمة ان تنبذ الأحزاب المحسوبة على تيار الإخوان ولا تلك الأنظمة قادرة ان تفعل، أو تفتح على نفسها مصارع جحيم الصراعات وابواب الفوضى داخل أوطانها مهما بلغت الضغوطات الامريكية خصوصا غي ظل اوضاع عربية محتقنة تضمر لأمريكا الكراهية بسبب دعمها لدولة الاحتلال الصهيوني.
– بل حتى الدول العربية السعودية والإمارات التي صنفت الحركة الإخوانية كحركة إرهابية قبل خمس سنوات تقريبا في خضم الازمة الخليجية مع دولة قطر لم تستطع تنفيذه ابدا على الواقع، بل أنهما يتعاونان بشكل وثيق مع كل الأحزاب المحسوبة على تنظيم الإخوان بالدول الأخرى وفي تركيا التي يقف على رأس هرم سلطتها حزب ورئيس “اوردغان” محسوبين على تيار الإخوان ويدعم اوردغان كل التيارات الإخوانية بالمنطقة ، بل واضيف للمنطقة مؤخرا ضيف اسلامي جديد هو الرئيس السوري احمد الشرع وسلطته المحسوبة بجزء كبير من فكرها على تنظيم الإخوان بل الطريف بالامر ان واشنطن أخرجته هو وجماعته المثير للجدل من قائمة الإرهاب واحتضنته مؤخرا في بيتها الأبيض بل ورشت فوقه العطور الفاخرة، وهو المحسوب ليس فقط على الإخوان بل على تنظيم القاعدة وداعش في مراحل متعددة ومن نشاطه الجهادي .
ad
و في اليمن التي يخوضان اي الرياض وابوظبي فيه حربا مريرة منذ أكثر من عشر سنوات يتحالفان مع أكبر الأحزاب ذات الميول الإخواني ونعني حزب التجمع اليمني للإصلاح بل ويمدانه بالمال والسلاح فضلا عن الدعم السياسي لتمكينه بمعية باقي الأحزاب المنضوية تحت مظلة التحالف العربي من استعادة السلطة في صنعاء. وبالتالي فتصنيفهما للحركة الإخوانية أصبح لا قيمة له ولا أثر،بل صار حُجة ضدهما لمن يريد ان يحاججهما بالقول: هل يعقل ان يتم تصنيف واتهام جهات بالإرهاب ثم يتم التحالف معها ودعمها بالمال والسلاح؟، رغم اعتقادنا ان ثمة إغراءات اماراتية تقف خلف قرار ترمب هذا، فابوظبي برغم تعاونها الشكلي وعلى مضض مع حزب الإصلاح باليمن إلا أنها تضمر له الضغينة، والوضع في السودان أضاف عامل آخر يدعونا للاعتقاد بأن الإمارات مارست الاغراءات على ترامب، فالإمارات التي تدعم قوات الدعم السريع تعتبر حكومة البرهان المعترف بها ذات خلفية أيديولوجية إخوانية يجب محاصرتها.
يضاف أيضا عامل آخر حمَلَ واشنطن على تصنيف تنظيم الإخوان حركة إرهابية وهي الحرب في غزة، وحركة حماس المحسوبة هي الأخرى محسوبة إخوانية ايضا ومصنفة إرهابية امريكاً وإسرائيلا وفي عدد من دول أوروبا.
امريكا واسرائيل ومعهما عدة دول غربية تخشى من تنامي التيار الديني بالشرق الاوسط وبالذات يعد الجرائم والاعتداءات التي تقوم بها إسرائيل في غزة وعلى عدد من الدول بالمنطقة.
فإن كان هناك من مبتهج من هذا التصنيف الامريكي فهي الحركة الحوثية (الحوثيين) ليس فقط بسبب الخصومة مع التيار الإخواني وبالذات حزب الإصلاح اليمني الخصم اللدود للحركة الذي يقاتلها منذ سنوات بل لأن من شأن هذا التصنيف الأمريكي ان يخفف الضغط على الحركة الحوثية ويجعل خصومها أقل حدة في الخصومة بعد يتساوى الجميع تحت مقصلة الاستهداف ويدرحان في ذات القائمة …وكأني بالحركة الحوثية تقول: كلنا بالهم شرق، فها نحن قد صرنا جميعا في مربع استهداف واحد، فالمتغطي بثوب أمريكا عريانٌ يا حضرات.