في العصور القديمة، كان كهنة المعبد يمتلكون سلطة النار والرمز، يرفعون أصابعهم كحدودٍ مقدسة، ويُنزِلون غضبهم على كل من يجرؤ على التفكير، أو بزوغ فكرة تتحدى أصنامهم، أو تفكر خارج أسوارهم. اليوم، يتجدد المشهد ذاته بوجوهٍ مختلفة ولغةٍ أشد التواءً، لكن الجوهر لم يتغير وهو رجال دين يعتقدون أن لهم الحق الإلهي في أن يصبحوا بوابة النساء إلى السماء، وحارسًا على أجسادهن وأفكارهن، وأوصياء على حياتهن وفكرهن بدعوى الفضيلة باسم الدين، ويُحولون الحياة إلى حلبة إذلال دائم.
أي فضيلة تلك التي تحتاج إلى سياط؟.. وأي ورع هذا الذي لا يستقيم إلا بقهر امرأة مرعوبة من سكاكين التكفير؟.
ما يمارسه اليوم هؤلاء "الكهنة الجدد" ليس حماية للأخلاق ولا دفاعًا عن الدين، بل سلطة خالصة، تُغذي نفوسًا مريضة بالتحكم والتملك. وتحت رايات الوعظ، يمارسون أبشع أشكال الإذلال، فيُقنعون المجتمع بأن المرأة فتنة، وأن وجودها خطر، وأن صوتها رجس، وأن حريتها تهديد يستوجب الخنق قبل أن تتنفس.
باتوا يُحوّلون المرأة إلى كائنٍ مراقَب، خاضع، محاصر، يعيش تحت ظل تهديد دائم،
إن خرجتِ فأنتِ مذنبة. إن تكلّمتِ فأنتِ منحلة.
وإن طالبتِ بحقوقك فأنتِ "داعية للفساد".
بهذه الذهنية، تُصنع الأصفاد، وتُبنى السجون غير المرئية التي تتحرك فيها النساء كل يوم. وصاية تقتات على خوف المرأة، على صمتها، على انكسارها. وصاية لا تهدف إلى الفضيلة كما يزعمون، بل إلى إعادة إنتاج نظامٍ ذكوري بحت يرى في المرأة "سبية" تحتاج لمن يحرسها، لا إنسانًا كاملًا يستحق الحرية والكرامة.
إن أخطر ما في هذه الوصاية أنها تُقدم نفسها بوجه ديني، فتكتسب حصانة زائفة، وتتحول أدوات القمع إلى "واجبات شرعية"، والتمييز إلى "حكمة"، والإذلال إلى "رحمة". هكذا يصبح الاستبداد فضيلة، والصمت طاعة، والظلم عبادة.
ولأن النساء أصبحن أكثر وعيًا، وأكثر قدرة على الفهم والمطالبة بحقوقهن، تشتد الهجمات ضدهن من أولئك الذين يدركون أن سقوط وصايتهم يعني سقوط سلطتهم.
حقيقة، إنهم يدركون أن المرأة الحرة تُفقدهم امتيازاتهم، لذلك يقاتلونها بكل ما استطاعوا من تخويفٍ وتشويه وتحريض وتكفير.
المرأة ليست مِلْكًا لأحد، ولا تحتاج إلى كاهنٍ يحرس أبواب حياتها، ولا أوصياء يقررون أحلامها، ولا شيخًا يحدد لها شكل كرامتها.
نعم، إنهم خائفون من امرأة ترى نفسها كاملة، ويرتعبون من امرأة تعرف أنها حرة وشبت عن طوق وصايتهم، لأن الحرية، حين تأخذ شكل امرأة، تسقط كل أصنام وصاية الكهنة الجدد.