آخر تحديث :الأحد-09 نوفمبر 2025-01:18ص

منصور النوم... معلم قتله القهر الحوثي

الأحد - 09 نوفمبر 2025 - الساعة 12:32 ص

خالد علاية
بقلم: خالد علاية
- ارشيف الكاتب


لم يمت الأستاذ منصور النوم بنوبة قلبية فقط، بل قُتل قهرًا، وسُحقت روحه تحت أقدام جماعةٍ لا تعرف من الإنسانية إلا اسمها. توفي هذا المعلم البسيط، أحد أنبل وجوه التربية والتعليم في محافظة الحديدة، بعدما أبلغته مليشيا الحوثي الإرهابية بأنه أصبح من “الفائضين عن الحاجة”، وأنه لا يستحق حتى نصف الراتب الذي كان ينتظره منذ شهور طويلة ليطعم أسرته ويواجه به جوع الأيام.


عاد الأستاذ منصور إلى بيته مكسورًا، متهشمًا في أعماقه، بعد أن أمضى حياته في خدمة الأجيال، وتربية العقول، وغرس القيم في نفوس الطلاب. لكن في وطنٍ خاضع للميليشيا، لا قيمة للعلم ولا تقدير للمخلصين، فالمعيار الوحيد هو الولاء لسيد الكهف، والانتماء إلى مشروع الظلام الذي حوّل المدارس إلى منابر للكراهية، وحول المعلمين إلى ضحايا بين الجوع والإذلال.


رحل منصور النوم بصمت، لكنه ترك وراءه صرخة مدوية تختصر مأساة آلاف المعلمين اليمنيين في مناطق سيطرة الحوثي. معلمون بلا رواتب منذ ثماني سنوات، يواجهون الإهانة اليومية والحرمان، بينما تكدّس المليشيا خزائنها من أموال الضرائب والجمارك وإيرادات الموانئ، وتنفقها على مسيراتها الطائفية ومهرجانات الموت وشعارات “الصرخة” التي لا تطعم طفلًا ولا تبني مدرسة.


إن ما تمارسه مليشيا الحوثي بحق المعلمين جريمة أخلاقية وإنسانية مكتملة الأركان. فهي لا تسرق رواتبهم فحسب، بل تسرق كرامتهم، وتطفئ في نفوسهم الأمل، وتستبدل الكادر المؤهل بعناصر جاهلة لا تجيد سوى ترديد الهتافات المذهبية. التعليم في مناطق الحوثي لم يعد وسيلة للنهوض، بل أداة للغسل الفكري، والتجنيد العقائدي، وتربية جيل مشوّه الوعي ومسلوب الانتماء.


إن وفاة الأستاذ منصور النوم ليست حادثة فردية، بل رمز لموت ضميرٍ جماعي في مناطق تحكمها الميليشيا بالقهر والخوف. إنها نتيجة طبيعية لسياسة التجويع والتهميش التي تستهدف الإنسان اليمني في أعز ما يملك: عقله وكرامته وقدرته على العيش بحرية.


كم من “منصور” آخر سيقضي قهرًا في صمت؟ وكم من معلم سيغادر فصوله مكسور القلب لأن المليشيا قررت أنه “فائض عن الحاجة”؟


مليشيا الحوثي لا تقتل بالرصاص فقط، بل تقتل بالصمت، بالتجويع، بالإذلال، وبطمس الكرامة. وما لم يقف العالم أمام هذه الجريمة الإنسانية الكبرى، فإن آلاف الأرواح البريئة ستظل تسقط كل يوم، في صمتٍ أشد قسوة من الموت نفسه.


رحم الله الأستاذ منصور النوم، شهيد القهر الحوثي، ومعه ضمير أمةٍ تُذبح يوميًا على مذبح الصمت والخذلان.