ظاهرة ليست جديدة تشبه ظواهر قبلها صنعتها السوشيال ميديا وعصر سياسات الهوية، ومن ضمنها ترمب نفسه!
العمود الأساسي في حملته قام على الوعود الضخمة من ناحية، والاستخدام البراغماتي لهوياته المتعددة وفرشها كقاعدة لجذب الناخبين من الناحية الاخرى: مسلم، جنوب آسيوي، إفريقي، مهاجر… إلخ.
لكن الهويات التي يطرحها مختلفة تمامًا عن المعاني الأصلية لهذه الهويات. كل هوية تغادر مكانها الأصلي وتحتل مكانًا جديدًا.
الإسلام مثلًا هو انتماء ديني، لكن ممداني ليس مسلمًا بالمعنى الديني، بل بالمعنى الإثني (العرقي). فهو لا يمارس الإسلام أو يلتزم بتعاليمه، لكنه مسلم بمعنى الانتماء الإثني للجماعة. في مثل هذه الحالة، حتى الملحد أو اللاديني يظل مسلمًا بالمعنى الإثني/الثقافي.
هويته الجنوب آسيوية بحكم أصوله الهندية هي هوية احتياطية وافتراضية، فهو وُلِد في إفريقيا ولم يعرف الهند أو جنوب آسيا أبدًا، وليس لديه أي علاقة حقيقية بهذه الهوية. إنها هوية أُعيد سحبها من الدرج بغرض جذب أصوات الهنود والآسيويين الذين يشكّلون أقلية انتخابية في غاية التأثير.
أما انتماؤه إلى أوغندا فهو انتماء بالجنسية، لكنه يحاول طرحه كانتماء إلى إفريقيا، مثلما ينتمي الأمريكيون السود بجذورهم إلى إفريقيا! فهو لا يقدّم نفسه كشخص أوغندي الجنسية، وإنما كأفريقي، وهنا يعيد تعريف الجنسية والانتماء العرقي ليتحوّل إلى انتماء سياسي.
الدين يتحوّل إلى إثنية، والجنسية إلى عِرق، والجذور البعيدة إلى هوية احتياطية.
انتقال السياسة في أمريكا من مجال البرامج السياسية إلى مجال الثقافة والهويات جعل البرامج الانتخابية تتمحور حول الهوية: كم هوية لديك يمكنك سحبها من الرف ووضعها في خدمة الحملة؟
رغم خلافه السياسي مع ترامب، إلا أن البعض يرى أنه المعادل الديمقراطي لترامب.
ترامب طرح شعار “أمريكا عظيمة”، وممداني طرح الشعار المقابل “نيويورك عظيمة”، وكلاهما بُني على وعود ضخمة.
ترامب تقدّم بهوياته كذكرٍ أمريكي أبيض محافظ ومسيحي، في مقابل ممداني المسلم المهاجر الملوّن الإفريقي الآسيوي. الاثنان anti-establishment وصعدا رغم رفض المؤسسة
لهما!
ومن انتخبهما هم الغاضبون من جمود المؤسسة والباحثون عن غاضب يترجم غضبهم واحباطهم الى حملة انتخابية.
عالم السياسة الأمريكية أُعيد تشكيله في خضمّ الصراع الجمهوري–الديمقراطي، وفي ظل سيطرة السوشيال ميديا، ليدور حول الشخصية لا حول البرنامج.
لكن للواقع ضوابطه التي لا يمكن تحريكها بالهوية وحدها.
وهنا تكمن تعقيدات أمريكا وغموضها.
باختصار، زهران ممداني يمثل تحولا قديما جديدا في السياسة الأمريكية من البرامج إلى الهويات، ومن الأفكار إلى الصور.