في ذلك العام رحل أبرز ثلاثة من ممثلي خطاب العقلانية العربية:
فؤاد زكريا في مارس، ومحمد عابد الجابري في مايو ، ونصر حامد أبو زيد في يوليو — وتبعهم محمد أركون في سبتمبر ، وإن لم أتأثر به بالقدر نفسه.
ومن مفارقات الأقدار أن رحيلهم جميعًا سبق الربيع العربي بأشهر قليلة، وكأن غيابهم كان إشارة رمزية إلى نهاية مرحلة التنظير للعقل والعودة المظفرة للاعقلانية.
كان الجابري قد نبّه إلى “اللاشعور السياسي” الكامن تحت سطح عقلنا العربي — العقل المأسور في نموذج القبيلة والعقيدة والغنيمة،
وحين اندلع الربيع، كان الخطاب الظاهر خطاب الحرية والديمقراطية، لكن في العمق كان اللاشعور يعيد إنتاج القبيلةً والطائفةً والعصبيةً والإقصاء.
اكتمل رحيل تبار العقلانية النقدية بمغادرة آخر العقلانيين (جورج طرابيشي) في 2016، ثم فشل الربيع وسيطرة الطائفية على الواقع والأرض.
ثم جاءت تداعيات السابع من أكتوبر وشعاراتها وأساطيرها لتكشف إلى أي مدى يمكن أن ننحدر في متاهات اللاعقل، إلى درجة لم تخطر على بال العقلانيين الراحلين حتى في أسوأ كوابيسهم.
اليوم أعيد قراءة بعض نتاجهم كتاريخ على مرحلة صعبة كان حصاد العقل فيها ضئيلا، لكنه كان بداية تحديد مسار الرحلة في بحار هائجة.