لا أعتقد أن المشكلة في وسائل التواصل الاجتماعي هي أنها سمحت للجميع بالكلام، فحرية التعبير حق طبيعي لكل إنسان، ومن الخطأ أن نراها حكراً على فئة معينة أو نخبة من الناس.
المشكلة الحقيقية هي أن هذه المنصات تحولت إلى ساحة مفتوحة لنشر أفكار سطحية، وعنصرية، ومليئة بالغضب والضجيج، وهي أفكار كان يتم الحدّ منها في الماضي بفضل وجود ضوابط اجتماعية وإعلامية اختفت اليوم.
وسائل التواصل تستغل جانباً إنسانياً ضعيفاً فينا: الناس تنجذب إلى الغضب والصراع أكثر مما تنجذب إلى الهدوء والعقل. الغضب صار موردا للربح والتسلية فيما يدعي Angertainment .
لكن هذا مجرد جزء من القصة. الأخطر هو أن هذه المنصات لا تكتفي بنشر هذا النوع من الخطاب، بل تضخّمه وتروّجه لأنه يجذب المتابعين، وبالتالي يجلب مزيداً من الإعلانات والأرباح. هكذا صُمّمت الخوارزميات. وأحد الأمثلة المأساوية على ذلك ما حدث في ميانمار، حين ساعدت خوارزميات السوشيال ميديا في نشر الكراهية ضد الروهينغيا، مما أدى لاحقاً إلى جرائم ومجازر.
إضافةً إلى ذلك، تصنع هذه المنصات ما يُسمى بـ”غرف الصدى” echo chamber؛ فهي تراقب ما يعجبك وتُغرقك بالمزيد منه، وتتجاهل كل ما يخالف رأيك. ومع الوقت، تجد نفسك محصوراً في دائرة ضيقة من الأفكار، تظن أن الجميع يفكرون مثلك وأن العالم صغير يشبهك فقط.
باختصار، السوشيال ميديا لم تفسد العالم لأنها أعطت الناس حرية الكلام، بل لأنها جعلت الأصوات المتعصبة والمتطرفة أعلى وأكثر انتشاراً، لأن ما يجلب التفاعل هو ما يجلب الربح. المشكلة ليست في تنوع الآراء، بل في تضخيم السيئ والغاضب والكاره، وتحويل الكراهية الى مورد للربح والتسلية.