في المخا لا يتحدث الناس عن الوعود، بل عن الأفعال التي يرونها بأعينهم. مدينة كانت هامدة، صارت تستيقظ كل صباح على ضجيج البناء، على طرق تُعبد، ومدارس تُرمم، وأنوار تشتعل في شوارع عرفت الظلام طويلاً. ليست خطابات تُقال، بل ورشات عمل تعمل، وأيد تبني بلا صخب ولا منّ.
في هذه المدينة الساحلية التي كانت رمزاً للنسيان، يتحول المشهد إلى درس في الإرادة. حين تُنقل المياه إلى القرى، وتُزرع الأشجار على الطرق، وتتم مواصلة الجهود لفتح المطار ليكون نافذة للحياة لا للحرب، فإن الأمر يتجاوز السياسة والمناصب، ليمس جوهر ما يجعل الإنسان إنساناً: أن يصنع فرقاً، وأن يعيد ما انكسر.
مررت قبل أيام من تعز إلى المخا عبر طريق موزع الجديد، فرأيت مشهداً لم أره منذ زمن طويل في مدن اليمن: طريق يشق الأرض بثبات، هندسة أنيقة، تخطيط منظم، وإحساس نادر بأن هناك من يفكر بالمستقبل لا بالماضي. الطريق بدا كأنه إعلان صامت بأن زمن الإهمال قد انتهى، وأن الفعل يمكن أن يكون أجمل من ألف وعد.
ما يحدث في المخا اليوم لا يحتاج إلى تمجيد الأشخاص، لأن الفعل وحده يتكلم. المدينة تبنى في زمن يهدم فيه الآخرون، وتضاء في ساعة ينطفئ فيها الوطن. وهذا وحده كافٍ ليقال إن في هذه البلاد ما زال فيض من القوة والعزيمة، وأن بعض المدن مثل رجالها
من صفحة الكاتب على موقع فيس بوك