من يظنّ أن مليشيا الحوثي ما زالت تخوض معركة سياسية، يعيش في وهمٍ كبير. هذه الجماعة لم تترك للسياسة متنفّساً ولا للكلمة مكاناً. ما تفعله في صنعاء اليوم لا يمتّ إلى أي منطق سياسي بصلة، بل هو سلوك عصابة متعطشة للهيمنة. واختطاف الشيخ غازي الأحول، الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي العام، ليس سوى حلقة جديدة في سلسلة طويلة من القهر الممنهج الذي تمارسه بحق اليمنيين، وبالأخص أولئك الذين يجرؤون على البقاء خارج دائرة الولاء الأعمى.
منذ أن وضعت هذه الجماعة يدها على العاصمة، وهي تمارس ما يمكن تسميته بـ"الاغتيال البطيء للحياة العامة". لم يعد في صنعاء سوى صوتٍ واحد، وفكرٍ واحد، وشعارٍ واحد يُفرض بالقوة. كل من يحاول أن يتنفس خارج هواء الجماعة يوضع في دائرة الاتهام. الأحول لم يُختطف لأنه ارتكب جريمة، بل لأنه يمثل رمزاً حزبياً مستقلاً يذكّر الناس بأن السياسة لم تمت بعد، وأن في اليمن رجالاً لا ينحنون.
اللافت أن اختطافه جاء بعد يوم واحد فقط من قرار المؤتمر الشعبي إلغاء احتفاله السنوي بذكرى التأسيس، قرارٌ فُرض تحت التهديد. هذا التوقيت لا يترك مجالاً للصدفة؛ إنه إعلان صريح من الحوثيين بأن أي فعلٍ جماهيري، مهما كان سلمياً، هو تهديد يجب إخماده. فالمليشيا التي تزعم "التضامن مع غزة" كمبرر لمنع الفعاليات الوطنية، لا تتورع عن إقامة احتفالاتها الطائفية واستعراضاتها العقائدية في الوقت نفسه. إنها ازدواجية مقززة تختصر فكر الجماعة: كل ما يخدم مشروعها مسموح، وكل ما يعبر عن اليمن الجمهوري محرّم.
ما يحدث للأحول ليس مجرد احتجاز سياسي، بل هو اغتيال رمزي لليمن المدني. الجماعة لا تريد معارضين، بل عبيداً. لا تريد أحزاباً، بل لافتات خاوية تسبّح بحمدها. تحارب السياسة لأنها تخافها؛ تخاف النقاش، والاختلاف، والوعي، لأن هذه الأشياء تُفكك أسطورة "الحق الإلهي" التي تتغذى عليها.
الأخطر أن العالم يشاهد كل ذلك بصمتٍ مُهين. الأمم المتحدة تكتفي ببياناتٍ باردة، وكأنها تتحدث عن حادث سير عابر. أما المنظمات الدولية التي تملأ الدنيا صراخاً بحقوق الإنسان، فتبدو عاجزة أو غير راغبة في مواجهة هذا الوحش الذي يلتهم اليمنيين واحداً تلو الآخر.
إن اختطاف غازي الأحول يجب ألا يُقرأ كحادثة فردية، بل كإنذارٍ صريح لكل من ما زال يظن أن الحوثي يمكن أن يكون شريكاً في سلامٍ حقيقي. فالجماعة التي تختطف السياسيين وتخفيهم في السجون المظلمة، هي ذاتها التي تخطف وطناً بأكمله وتعيد صياغته على مقاس مشروعها الطائفي الضيق.
لقد آن الوقت لأن يُقال بوضوح: ما يحدث في صنعاء ليس خلافاً سياسياً، بل احتلال داخلي يرتدي عباءة الدين. والسكوت عليه خيانةٌ أخلاقية قبل أن يكون تقصيراً دولياً.
اختطاف الأحول ليس مجرد قيدٍ على رجلٍ واحد، بل قيدٌ على مستقبل اليمن كله.