من زمان وأنا رافض للخطاب القائل “الدولة الوطنية هي صنيعة الاستعمار”، لأنه خطاب غبي ومخالف للواقع ويفتح الطريق أمام سيناريوهات فوضى بلا نهاية.
وجاء كلام مبعوث ترامب، توم براك، التحقيري للدول العربية الحديثة ليؤكد كلامي.
ملخص كلام باراك أنه لا يوجد شرق أوسط ولا دول حديثة، لأنها كلها صنيعة الاستعمار. والحقيقة الوحيدة – حسب قوله – أن هناك تجمعاً من القبائل والعشائر والطوائف التي لا يمكن أن تتحول إلى دولة.
كلامه هذا يهدف في جزء منه إلى شرعنة الاستيلاء الإسرائيلي على مزيد من أراضي الدول العربية، فهي – وفق منطقه – مجرد خطوط مستقيمة رسمتها القوى الاستعمارية. وهو، بالمناسبة، نفس خطاب القوميين العرب ونفس خطاب اليسار العالمي عموماً. لكنه أيضاً الخطاب الاستشراقي العنصري تجاه المنطقة ببعديه: الاستشراق التقليدي والاستشراق السعيدي (إدوارد سعيد).
باراك أيضاً يتماهى مع الخطاب القومي عندما عدّ لبنان جزءاً من سوريا كما كان في الماضي، وترمب لمح إلى “حق” أردوغان في السيطرة على سوريا وضمها. وكل هذا نابع من منطق رفض الدولة الوطنية.
كانت إدانة القوميين العرب للدولة الوطنية "الُقطرية" نابعة من حلم الوحدة العربية الشاملة واعتبار أن هذه الدول عائق أمام ذلك الحلم. لكن الدولة الوطنية هي الحقيقة الكبرى في النظام العالمي الحديث منذ ويستفاليا، وكل القرارات والتشريعات والقيم مرتبطة بالدولة الوطنية، والاعتراف الدولي يقوم على واقع الدولة الوطنية.
فالاعتراف بفلسطين مثلاً نابع من التسليم بأن الفلسطينيين يشكلون هوية تمكّنهم من تأسيس دولة وطنية. وليس غريباً أن يلجأ نتنياهو وحكومته إلى منطق القومية العربية لرفض فكرة دولة فلسطين، فهم يقولون إن الفلسطينيين “عرب”، وبالتالي لماذا لا ينضمون لأي دولة عربية بدلاً من اختراع دولة جديدة!
الدولة الوطنية. فيدرالية كانت او اتحادية، ليست اختراعاً استعمارياً، بل هي الإطار الواقعي والوحيد لحماية الحقوق والسيادة، وأي خطاب ينكرها لا يخدم إلا مشاريع الاحتلال والفوضى.