آخر تحديث :الثلاثاء-23 سبتمبر 2025-02:24ص

‏صيانة معنى الحياة !

الثلاثاء - 23 سبتمبر 2025 - الساعة 02:03 ص

سامي الكاف
بقلم: سامي الكاف
- ارشيف الكاتب


أعتقد أن خطورة الظواهر السياسية لا تُقاس فحسب بمدى عنفها المباشر، بل بقدرتها على مصادرة المعنى الإنساني وتحويله إلى أداة في صراع يتجاوز حدوده الطبيعية. فحين يتجسد الفعل في هيئة ميليشيا تجعل من الحرب غاية في ذاتها، لا وسيلة استثنائية لردع خطر أو صيانة دولة، يصبح السؤال في تصوري أعمق من مجرد توصيف سياسي: كيف يمكن للإنسان أن يستمر ككائن حرّ بينما يُختزل وجوده إلى وقود في ماكينة أيديولوجية؟

هنا يتبدى البعد الفلسفي للمأساة اليمنية الراهنة، حيث لم تعد المعضلة محصورة في جغرافيا منهكة أو سلطة مغتصبة، بل في إعادة تعريف العلاقة بين المجتمع والدولة، وبين الفرد والقوة، على نحو يهدد جوهر فكرة السياسة ذاتها.

لم يكن سلوك الميليشيا الحوثية يوماً سوى تجسيد لمعنى الاستهانة بمصالح الناس وأرواحهم. فبإصرارها على جعل البحر الأحمر وخليج عدن، وصولاً إلى تل أبيب، ميداناً لمغامراتها الإرهابية، لم تكتفِ بتعريض اليمنيين تحت سلطتها لخطر دائم، بل حولت مدناً كاملة إلى أهداف مكشوفة للقصف الأمريكي والبريطاني من قبل، والإسرائيلي من بعد. إنّها مفارقة مرة تكشف أن الجماعة التي تدّعي الدفاع عن الناس هي ذاتها التي وضعتهم في قلب النار، لتُظهر بجلاء أن مشروعها ليس سوى إعادة إنتاج الموت في صيغة أيديولوجية.

في تصوري أن هذا السلوك في تراكمه لم يُدخل اليمن وحده في نفق معتم، بل زجّ بالشرق الأوسط برمته في مرحلة معقدة تتقاطع فيها المصالح الإقليمية والدولية على حساب الإنسان اليمني الذي بات الضحية الأولى والأخيرة. فمنذ أن انقلبت هذه الميليشيا على الدولة في 21 سبتمبر 2014، أصبح اليمن يعيش أعمق أزماته الإنسانية في التاريخ الحديث، حيث تحولت الجغرافيا إلى مسرح لحروب الآخرين، والمجتمع إلى رهينة لسلطة لا ترى فيه سوى وقود لاستمرار مشروعها. وهنا يكمن البعد الفلسفي للمأساة: حين يُختزل الإنسان إلى مجرد أداة، تفقد السياسة معناها وتغدو القوة هي المرجع الوحيد.

فضلاً عن ذلك؛ أثبتت الميليشيا الحوثية أنها مجرد بوق للنظام الملالي في إيران وأداة لجعل اليمن نسخة منه في سياق مشروعها الساعي إلى إقامة دولة تيوقراطية خاصة بها وفق نظام ولاية الفقيه.

هذا الواقع يفرض حقيقة لا تقبل التأجيل: أنّ مواجهة هذا الخطر لم تعد خياراً، بل ضرورة وجودية لاستعادة الدولة وإنقاذ المجتمع. فالحوار مع ميليشيا لا تعترف إلا بالسلاح ضرب من الوهم، والتاريخ القريب شاهد على أن أي تسوية لم تُقابل بحسم إنما تتحول إلى جسر لاستبداد جديد.

وهكذا، فإن الطريق إلى السلام يبدأ من حيث ينتهي وهم التعايش مع الميليشيا، أي من استعادة الدولة بوصفها الإطار الوحيد القادر على حماية الإنسان وصناعة المستقبل.

إنّ جوهر المعضلة في اعتقادي لا يكمن في عنف ميليشيا تتوسل السلاح لتكريس وجودها، بل في الفراغ الذي تخلّفه الدولة حين تُغيب، فيتحول المجتمع إلى ساحة مشرعة أمام الاستبداد والأيديولوجيا. وحين تصبح القوة هي اللغة الوحيدة الممكنة، يُلغى المعنى السياسي وتُختزل حياة الإنسان إلى هامش في معادلة صراع أكبر منه.

وعليه، فإن استعادة الدولة ليست مجرد مشروع سياسي عادي أو عابر، بل فعل وجودي يعيد تعريف العلاقة بين السلطة والمجتمع على قاعدة الشرعية والقانون، لا على قاعدة الغلبة والارتهان. فالمستقبل لا يُصنع بالقبول بأوهام التعايش مع مشروع يقدّس الموت، بل بإعادة الاعتبار لفكرة الدولة كشرط ضروري لحماية الإنسان وصيانة معنى الحياة.

‎#اليمن 🇾🇪

من صفحة الكاتب على منصة إكس