في صباحٍ يمنيٍّ حزين، سقطت أفتهان المشهري، مديرة صندوق النظافة والتحسين في تعز، برصاص الغدر، لكن صوتها لم يسقط. اغتيالها لم يكن مجرد جريمة في وضح النهار، بل كان محاولة لكتم صوت امرأة تجسدت فيها قيم العمل، والكرامة، والانتماء.
كانت أفتهان تمشي بين الناس، تتابع فرق النظافة، وتزرع الأمل في شوارع مدينة أنهكها الحصار والانقسام. رصاصة واحدة حاولت إسكاتها، لكنها فجّرت في تعز بركانًا من الغضب النسوي، ومسيراتٍ لا تطالب بالقصاص فقط، بل بالاعتراف بدور المرأة في بناء الوطن.
أفتهان: امرأة في قلب الميدان
لم تكن أفتهان موظفةً عادية، بل كانت نموذجًا حيًّا للقيادة الميدانية. كانت تؤمن أن الإدارة لا تُمارس من خلف المكاتب، بل من بين الناس، في الشوارع، حيث تُصنع الكرامة وتُبنى الثقة. في كل صباح، كانت تخرج لتتفقد أحوال المدينة، لا لتراقب فقط، بل لتشارك، وتدفع، وتلهم. اغتيالها لم يقتل جسدًا فحسب، بل استهدف فكرة: أن المرأة اليمنية قادرة على القيادة، والعطاء، والتغيير.
رصاصة في جسد امرأة... وجرح في ضمير وطن
في جولة سنان، أُطلقت رصاصة الموت. لم تكن موجهة فقط لأفتهان، بل لكل امرأة يمنية تحلم بوطنٍ يحترمها. هذه الجريمة البشعة لم تقتل شخصًا، بل حاولت اغتيال الحلم، وكتم صوتٍ ظل يصدح بالعمل والكرامة. لكن تعز، المدينة التي لا تنكسر، ردّت بصرخة جماعية، تقودها النساء، من مستشفى الثورة إلى إدارة الشرطة، حاملات صور أفتهان، ودموعًا تحولت إلى شعارات، وألمًا أصبح وقودًا لمسيرة لا تتوقف.
نساء تعز: من الحداد إلى الحراك
خرجت نساء تعز لا ليبكين فقط، بل ليطالبن بالعدالة، وليؤكدن أن صوت المرأة لن يُسكت. كانت المسيرات صاخبة رغم الصمت، قوية رغم الحزن، حاسمة رغم الألم. كل خطوة كانت إعلانًا: أن المرأة ليست هامشًا، وأن اغتيال أفتهان لن يكون نهاية، بل بداية لثورة نسوية جديدة، ترفض التهميش، وتواجه العنف، وتطالب بحقها في الحياة والعمل والمشاركة.
من رهام إلى أفتهان: دماء تصنع الطريق
تعز لا تنسى. دم رهام بدر، ودم أفتهان المشهري، أصبحا منارات تضيء طريق الكرامة. هذه المدينة التي قاومت الحرب، والحصار، والانقسام، ترفض أن تُغتال نساؤها بصمت. بل تصرّ على أن تكون كل قطرة دمٍ زكية بذرةً لأملٍ جديد، ونقطة انطلاقٍ لجيلٍ نسويٍّ لا يخاف، ولا يتراجع، ولا يساوم على حقه في الحياة.
أفتهان بعد الرحيل: حضورٌ لا يُمحى
بعد استشهادها، أصبحت أفتهان أكثر حضورًا. قصتها تُروى في المقاهي، والمدارس، والأسواق. اسمها أصبح رمزًا، وصورتها أيقونةً للمقاومة. لقد علمتنا أن المرأة ليست فقط شريكة في التنمية، بل قائدة في الميدان، وصوتًا لا يُغتال. اغتيالها كشف عن معدن نساء تعز، اللواتي يحوّلن الألم إلى طاقة، والحزن إلى فعل، والدموع إلى ثورة.