وتبقى مأساة تعز في غياب رجال دولة حقيقيين، مأساة تتجدد مع كل طلقة غدر، ومع كل جثة تسقط في الشارع دون أن يتحرك أحد. ولو كان في تعز رجال وقانون، لما اغتيلت أفتِهان المشهري برصاص الفوضى، ولما صارت النساء يُقتلن كما يُقتل الرجال، بل أشد إيلامًا.
فمن يتحمل المسؤولية؟، السلطات المحلية أولًا، تلك التي تكتفي بالمؤتمرات الصحفية بينما الدم يغرق الأرصفة. القيادات العسكرية ثانيًا، التي تترنح بين الولاءات وتترك المدينة مشرّعة الأبواب لعصابات الاغتيال. الشرعية ثالثًا، الغارقة في صراعاتها ومناصبها، ناسية أن تعز كانت بوابة الجمهورية وقلعة الثورة. أين القانون؟ أين الدولة؟ أين الكرامة؟.
أي مدينة هذه التي صار القاتل فيها هو الحاكم، والمجرم هو السيد، والمواطن مشروع جثة؟ أي زمن هذا الذي صار فيه دم المرأة أرخص من الرصاصة التي تقتلها؟.
افتهان المشهري لم تُغتل وحدها، اغتيلت معها كل امرأة تعزّية آمنت أن لهذه المدينة مستقبلًا. اغتيل معها الحلم البسيط بالعدالة، والأمان، والحق في الحياة.
افتهان المشهري ليست مجرد اسم، هي مرآة لوجه المدينة. اغتيالها ليس حادثة عابرة، بل صفعة على وجوهنا جميعًا. فهل سنكتفي بالبكاء على الأطلال ونكتب منشورات غاضبة؟ أم سنقف لنقول "كفى"؟
تعز اليوم لا تحتاج بيانات تنديد من فنادق الرياض ولا منابر قطرات الدموع، بل تحتاج موقفًا. تحتاج قرارًا حقيقيًا يطارد القتلة حتى آخر مخبأ، ويعيد لهذه المدينة هيبتها المسلوبة.
يا رجال الدولة – إن كان فيكم رجال – أفيقوا قبل أن تصبح تعز خبرًا قديمًا على شريط الأخبار. أفيقوا قبل أن تصير كل بيوتها مقابر، وكل شوارعها ثكنات للقتلة. أفيقوا قبل أن تنطفئ آخر شعلة للأمل في قلوبنا.
تعز تستغيث.. فهل من مجيب؟!.