في اعتقادي أن سؤال الدولة في اليمن لم يعد سؤالاً مؤجّل الإجابة، بل صار سؤال النقيض الحاضر: بين فكرة الدولة بوصفها الضامن للحق العام، وبين جماعة انقلابية لا ترى في السلطة سوى امتياز سلالي فوق القانون. هنا لا أتحدث عن صراع مشاريع سياسية في أفق الممكن، بل عن انعدام المشروع أصلاً؛ إذ تتجسد الحوثية في تصوري كـ"قوة نفي"، تسلب المعنى من فكرة الدولة، وتعيد تعريفها باعتبارها ملكية خاصة، وتختزل الوطن إلى ريع مغلق يدار من موقع فوقي عقائدي، لا من أفق التعاقد المدني المشترك.
خطورة الحوثية لا تنبع من السلاح وحده مثلما أشرتُ إلى ذلك في مقال فائت لي في "إندبندنت عربية"، بل من قتلها المعنى قبل الجسد.
أنظروا معي؛ وتأملوا: لقد هجّرت هذه الميليشيا الملايين وحوّلت بيوتهم إلى أنقاض ومزارعهم إلى حقول ألغام، وصادرت الأمل من نفوس الشباب حين بدّلت أحلامهم إلى كوابيس بطالة وجوع ورصاص.
المجاعة هنا - كما أرى - ليست أزمة غذاء بل جريمة تجويع ممنهجة: قطع للمرتبات، ونهب للمساعدات، وفرض للجبايات، لتغدو لقمة العيش حلماً، والدواء معجزة.
إنّ سلطة الأمر الواقع هذه لا تملأ الفراغ السياسي، بل تعيد إنتاجه كشرط لازم لبقائها، إذ تقوم على تحويل الفقر إلى قيد، واليأس إلى أداة حكم.
إنّ الحديث عن حل سياسي مع جماعة كهذه ليس تعبيراً عن حسن نية، بل تواطؤ ضمني مع استدامة النفي. الحوثية لا ترى نفسها شريكاً في صناعة الدولة، بل كياناً فوقها؛ لا تؤمن بالتعدد ولا بالمساواة ولا بالتداول، بل تحتقرها جميعاً. وعليه، فإنّ الخلاص لا يكون إلا بإعادة الاعتبار لفكرة الدولة بما هي حق لا منحة، وقيمة لا سلعة، ووطن لا غنيمة؛ إذ وحدها الدولة، في معناها العادل الجامع، قادرة على إنقاذ اليمن من أن يُختزل إلى مجرد ساحة حرب بالوكالة ورهينة لفقر لا ينتهي.
#كل_دمار_سببه_الحوثي
#اليمن 🇾🇪