آخر تحديث :السبت-06 سبتمبر 2025-01:24ص

سبتمبر فسحة باتجاه الوطن

الجمعة - 05 سبتمبر 2025 - الساعة 11:47 م

د. لمياء الكندي
بقلم: د. لمياء الكندي
- ارشيف الكاتب


يقولون: كلما ضاقت فرجت. لم تكن هذه العبارة خالية من الدلالة المعنوية والواقعية أيضًا، إذ تمثل عمقًا تاريخيًا للحظة التي تشهد ميلاد الشعوب.


إنها لحظة يقف عندها الطغاة بلا وعي، فتتشكل من استبدادهم وطبائع حكمهم نهايتهم التي تُسَوَّر بجدار الخوف الذي يبرر استبدادهم.


وقف اليمنيون طويلًا أمام معاناة هي الأسوأ بين أشكال الاحتلال التي عرفتها البشرية؛ إنه احتلال التمييز ووهم الخلود للذات السلالية التي ترى في بقائها بقاءً لله وسُننه في خلقه.


ألف ومئتا عام كانت كفيلة بأن تعيد اليمنيين إلى اللحظة الفارقة التي تستحق وجودهم. ولهذا كان سبتمبر، وكانت الثورة أكبر انفراجة في حياة اليمنيين.


لقد سقط في سبتمبر ما هو أكثر من نظام وسلطة؛ لقد سقط الادعاء المزري بنقاء السلالة.


سقطت تلفيقات الدين العلوي الزيدي الشيعي المزيّف، وهو يدّعي أن الانتساب إلى ذرية ما مشيئة إلهية واصطفاء رباني لا يكتمل إيمان إلا به.


لقد أسقط اليمنيون خرافة الفقه المنحرف عن أصول هذا الدين، ذاك الفقه الذي سخّر قول الله تعالى وقول نبيه ليكون قولًا مجردًا من كل قيمة عادلة، يُلغى فيه الكل لصالح فئة سلالية حاولت أن ترتقي بالدين إلى مستوى الطغاة وأبالسة الحكم، حتى وصلت بهم الحال إلى القول بأفضليتهم كونهم خُلقوا من نور، وأن مراحل خلقهم سابقة لخلق أبي البشرية آدم عليه السلام.


لقد فعلها اليمنيون وثاروا، نعم ثاروا على أقبح نظام كهنوتي أسّس بقاؤه على الخرافة.


لقد كانت إرادتهم قوية بما يكفي لانتزاع إنسانيتهم من مظلومية قرون طويلة من الاستبداد والجهل والمرض.


لقد وعى اليمنيون ذواتهم المسلوبة، فأدرك الشعب أنه حر، فتحرر من قيد الحكم والخرافة والكهنوت.


تحرر اليمنيون أخيرًا، وضربوا بعرض الحائط فقه ألف ومئتي عام من التكفير والتدجين والتدليس والتزييف.


كان سبتمبر الميلاد أكثر من ثورة؛ لقد كان رسالة تجديدية وُلدت معها القيم الدينية والتشريعية لسماحة الدين الخالد ورسالة نبيه الخاتمة.


حرية، عدالة، مساواة… هي شرعية الدين وشريعته التي استردها اليمنيون من إرث عصابة الكهنوت السلالي.


لم تكن ذكرى ثورة سبتمبر مجرد ذكرى ثورة شعب في وجه الطغيان، بل كانت ذكرى ميلاد آخر لأمة مسلمة عادت إلى أصول دينها القويم.


ثورة جددت فقه هذا الدين، وبعثت بروح هذا الشعب، ليكون أمام عدالة الثورة مواطنًا له من الحقوق وعليه من الواجبات ما يضمن حريته بلا وصاية ولا تزلف ولا تقديس لأي كان.


قد لا يدرك البعض القيمة الفعلية للحرية ولا المعنى المخزي للعبودية إلا عندما يعيش أحدهما أو يفقد أحدهما.


ولهذا ترانا، بعد قرون المحنة الطويلة والبؤس المقيم، نتغنى بسبتمبر، نلوذ به كلما ضاقت علينا السبل، نستجدي زهاء ثورته، وننشد كرامة دعوته.


إنه سبتمبر الخالد، فسحتنا باتجاه الوطن، الذي كلما ضاقت بنا سُبل العيش فيه أنشدناه؛ لأنه المخلِّص وفيه الخلاص.


ودمتم بخير.