آخر تحديث :الخميس-28 أغسطس 2025-01:07ص

الراتب في المنفى والواجب في الوطن

الأربعاء - 27 أغسطس 2025 - الساعة 11:30 م

مطيع الاصهب
بقلم: مطيع الاصهب
- ارشيف الكاتب


يعيش الشعب اليمني أسوأ مراحله من الجوع والانقطاع والحرمان، ولا تزال تتكدس فنادق الخارج بأولئك الذين يسمون أنفسهم ممثلي الشرعية يتنقلون بين المؤتمرات ويكتبون بياناتهم بماء الذهب المدفوع بالدولار، متناسين أن من يدّعون تمثيلهم ينامون على بطون خاوية.


من فنادق الرياض إلى مكاتب القاهرة، لا حديث لهؤلاء إلا عن الوعي الوطني وضرورة الصبر ومواجهة الانقلاب الحوثي، وكأنهم وحدهم يحتكرون تعريف الوطنية، بينما يقف المعلم في طابور طويل من الانتظار دون راتب، ويبيع الجندي سلاحه ليشتري به حليباً لطفله، ويغرق الموظف البسيط في دوامة ديون لا تنتهي.


نعم، الخيانة ليست فقط في التمرد على الدولة، بل في خذلان المواطن.

لم يكن الحوثي وحده من صادر حياة الناس، بل شاركه أولئك الذين يتقاضون الملايين ويمنحون صكوك الوطنية لأنفسهم ويبررون فشلهم بترديد عبارة: لا تهاجموا الشرعية، العدو هو الحوثي. كلا، العدو ليس فقط من قصف بيوت اليمنيين، بل من سرق قوتهم، وتاجر بآلامهم، وباع تضحياتهم في مزادات السياسة.


أي شرعية هذه؟


شرعية لا تملك مشروعاً وطنياً، ولا تقدم نموذجاً أخلاقياً، ولا تقف في صف المعلم والجندي والمواطن الكادح، هي شرعية بلا قيمة، بل هي سلطة فاقدة للثقة.

لا نطلب المعجزات من المسؤولين ولا نحملهم ما لا يطيقون، بل نطلب شيئاً بسيطاً: أن يكونوا بيننا. أن يعودوا من فنادق الخارج إلى شوارع الداخل، أن يروا كيف يقف الجندي في طابور العشاء، وكيف يبيع الموظف حاجياته ليوفر دفتراً لابنه.


نحن لسنا ضد أن يتقاضى المسؤول راتبه أو أن تُصرف له إعاشته، فالعدل أن ينال كل ذي حق حقه. ولكن المؤلم أن تُصرف تلك الإعاشة في المنافي الباردة بينما الوطن يحترق، وأن تُكتب بيانات الوعي والمسؤولية من مكاتب خارجية مكيفة، بينما الناس في الداخل لا يملكون حتى مروحة تُبعد عنهم لهب الصيف.


نحن نريد أن نشعر أن هناك من يشاركنا الواقع، لا من يراقبه من خلف الشاشات. نريد مسؤولاً يعرف طوابير الخبز، لا طوابير صالات الاستقبال في الفنادق. نريد قيادات تذوق ما نذوق، وتتحمل ما نتحمله، لا أن تتحول الغربة إلى وسيلة للهروب من واجب وطني مقدس.


نعم، أخيراً لا نريد مسؤولاً يقيم لنا المحاضرات عن الوطنية بينما هو أبعد ما يكون عنها. الوطنية لا تُقاس بعدد البيانات أو خطابات القنوات، بل تُقاس بكم مرة رفضت فيها الإغراء لتبقى مع شعبك، وكم قراراً اتخذته لصالح الناس ولو على حساب راحتك.


عودوا إلينا لتعرفوا حجم الألم الذي لا يُحكى.