آخر تحديث :الثلاثاء-26 أغسطس 2025-02:44ص

اسناد المقاومة ام تخريب الصفقة.. لماذا اطلقت ايران صاروخا انشطاريا من اليمن؟

الثلاثاء - 26 أغسطس 2025 - الساعة 12:49 ص

حسام ردمان
بقلم: حسام ردمان
- ارشيف الكاتب


خلال الأسبوع الماضي ، شهد الملف الفلسطيني جملة من التطورات السياسية الواعدة : اولا موافقة حماس على مقترح ويتكوف لوقف الحرب بعد نقاشات مطولة في القاهرة . وثانيا لقاء السيسي وبن سلمان في الرياض لتجديد الزخم حول المبادرة العربية لاعادة الإعمار وحل الدولتين.


وثالثا تصريح ترامب حول ضرورة انهاء الوضع الكارثي في القطاع باسرع وقت واعلان 15 دولة اعتزامها الاعتراف بدولة فلسطين . و اخيرا تنامي الضغوط الشعبية الداخلية على الحكومة الاسرائليلة للقبول بصفقة تبادل الرهائن و الغاء خطط الاحتلال الكامل للقطاع.


كل هذه المتغيرات وضعت نتنياهو امام مأزق حقيقي ، لا يهدد بافشال سياسته الخارجية والعكسرية وحسب بل يزعزع موقعه في السلطة ؛ وكالعادة فان طوق النجاة الامثل يكون بصاروخ حوثي يخترق بصورة اعجازية منظومات الدفاع الجوي ، ويسهم في امتصاص الضغوط الداخلية و الخارجية بخصوص غزة ، ويحرف الأنظار نحو الساحة اليمنية وتهديدات الملاحة.


بدأ الجيش الاسرائيلي بالتحرش بالحوثيين في 17 اغسطس عبر قصف البحرية الاسرائلية للبنية التحتية المدنية في صنعاء لحثهم على رد متهور جوا او بحرا. و يوم امس لم يتوانى سلاح الجو الاسرائلي عن استعراض قوته في اليمن ردا على الصاروخ البالستي ذو الرأس الانشطاري الذي اطلق في 22 اغسطس وفشلت الدفاعات الإسرائيلية في اعتراضه.


ورغم تهافت بنك الأهداف الإسرائيلي في صنعاء (الى درجة الاغارة على القصر الجمهوري الذي اشبع قصفا من قبل التحالف العربي) ، الا ان نتنياهو جلس بنفسه في قاعدة كرياة العسكرية ليراقب باهتمام - لا يخلو من المبالغة الدرامية - سرب الطائرات الإسرائيلية وهي تتدرب على تنفيذ الغارات في بلدان "الدائرة الثالثة" والتي تشمل اليمن وايران.

وقد كانت الجزئية الاهم في هجوم صنعاء ، تمرّس الطيارين على عمليات التزويد بالوقود في الجو . فيما بدا وانه بروفة تدريبية على هجمات اوسع في ايران.


إن استفادة اسرائيل الدائمة من تصعيد الحوثيين لم تعد اليوم موضع جدال ، فقد اثبتت نفسها في اكثر من مناسبة ، لكن السؤال المطروح بقوة الان: هل يعقل ان الحوثيين و من خلفهم ايران لا يدركون هذه الحقيقة؟


خلال الفترة الماضية كان يمكن تفسير سلوكهم من خلال العمى الايدلوجي و سوء التقدير الاستراتيجي ، لكن الهجوم الاخير بصاروخ انشطاري محرم دوليا، لا يمكن ابدا ادراجه ضمن طريق الجحيم المعبد بالنوايا الحسنة ، بل هو سلوك مقصود خصوصا وانه تزامن مع جملة من التصريحات الايرانية الكاشفة:

- خامنئي يقول ان ايران لن تذعن لامريكا وانه لا مكان لاتفاق نووي في الوقت الحالي.

- ⁠وزير الدفاع الايراني يكشف ان طهران بنت مصانع للسلاح في بلدان اقليمية ، وانها زودت قواتها المسلحة بصواريخ جديدة للرد على اسرائيل.

- ⁠لاريجاني يقول ان طهران ستواصل دعمها للفصائل المسلحة بعد ان منية زيارته الى بيروت بالفشل.


على الارجح ، ومع تزايد احتمالات المواجهة على حساب التفاوض ، تحاول ايران اثبات فاعلية الردع وعقيدة "الدفاع المتقدم" ، لذا فقد اختارت توجيه رسائلها من خلال الحوثيين و عبر "صاروخ انشطاري" ، من النوع الذي استخدمته لقصف اسرائيل خلال حرب 12 يوما.

كما ان تسخين الجبهة اليمنية هو فرصة لاستدراج اسرائيل ، وربما الولايات المتحدة ، الى حرب وكالة في اليمن بدلا من المواجهة المباشرة ، على قاعدة التضحية بالجنين كي تعيش الام.


هذه الاسباب تفسر حسابات التصعيد من جهة طهران ، لكن ماذا بشأن غزة؟


في حقيقة الامر نجحت طهران من خلال الهجمات الحوثية بالحفاظ على اخر رمق رمزي لمفهوم "وحدة الساحات" وهو مصدر شرعيتها الاخلاقية ، الا ان جبهة الاسناد اليمنية وان ظلت قائمة تكتيكا فان وظيفتها الاستراتجية تغيرت بشكل عميق على الاقل خلال النصف الثاني من 2024:

لم تعد الغاية دعم المقاومة ومنع احتلال غزة ، وانما ممانعة اي صفقة سياسية يتم ابرامها بعيدا عن نفوذ ايران!


هذا الافتراض التحليلي يؤكده جمله من الشواهد ، اهمها التصعيد الاعلامي الحوثي على مدار الاسابيع الماضية ، ضد الدول العربية ، لاسيما جمهورية مصر، والذي وصل الى حد التهديد بضرب مصالحها الغازية .

رغم ان القاهرة ظلت تكظم غيظها لعامين و تبتلغ خسائرها الاقتصادية بصمت دون ان توجه حتى توبيخ لفظي للحوثيين . لكن اجتماع الفصائل الفلسطينة في القاهرة و نجاح مصر بتليين موقف حماس لم يكن محل ترحيب من محور الممانعة.


وتريد طهران ان تقول من خلال ذراعها الحوثي ؛ بان انهاء الحرب في غزة عبر ترتيبات عربية امريكية حصرية لن يتم ، خصوصا مع استمرار الضغوط العربية الامريكية في لبنان لحصر السلاح في يد الدولة. كما أن انهاء الحرب في غزة لن يتم دونما ضمانات بعدم التوجه المستقبلي لاستهداف نفوذها الجيوسياسي في اليمن او العراق.


وبالنسبة لطهران فان بقاء المعاناة في غزة يعني بقاء السياسة الاقليمية العربية منشغلة بخفض التصعيد الاقليمي واحتواء مشاريع التمدد الاسرائيلي ، وهذا يجعل الموقف العربي يتقارب مع إيران دون حاجة الاخيرة الى تقديم اي تنازلات بالمقابل.

وقد تجلى ذلك بوضوح في التحركات السياسية العربية لوقف الهجوم الاسرائيلي على طهران في يونيو الماضي ، والديبلوماسية الاستباقية العربية الساعية الى تجنب تكرار هذا السيناريو. وقبل ذلك كان هناك فيتو عربي ضد مسار الحسم العسكري في اليمن (مارس وحتى مايو) الى حين ضمان وقف الحرب في غزة.


وخلال الاسابيع القليلة القادمة سوف يتضح مدى تطابق هذه القراءة مع الواقع ، ومدى استمرار طهران في مساعيها لتعطيل اي صفقة في غزة ، من خلال ذراعها المسلح في اليمن وبالتخادم مع نتنياهو ، الى حين ابرام صفقة اقليمة اوسع تضمن امنها القومي و برنامجها النووي و نفوذها الاقليمي.


وفي هذه الحالة سوف يكون على الجانب العربي و الدولي التفكير جديا - حتى من باب الرياضة الذهنية- في اعادة ترتيب اولوياتهم الاستراتجية لاستعادة أمن الاقليم : اذ ان انهاء التهديد الحوثي في اليمن قد بات هو الشرط لوقف الحرب في غزة ، وليس العكس !