آخر تحديث :الأحد-24 أغسطس 2025-02:04ص

المؤتمر الشعبي العام في الذكرى 43: بين إرث الصراع السياسي وعمق الامتداد الشعبي

الأحد - 24 أغسطس 2025 - الساعة 01:54 ص

د. لمياء الكندي
بقلم: د. لمياء الكندي
- ارشيف الكاتب


لم يكد اليمن، عقب ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، يخرج من النفق المظلم للكهنوت الإمامي حتى حاول هذا المسخ استعادة ذاته وفرض حضوره، مستهدفًا جمهورية الشعب وثورته.


واجه قادة الجمهورية الصلفَ الكهنوتي الإمامي بوسائل متعددة، غير أنهم في لحظات من اللاوعي السياسي مكّنوا هذا التيار من التغلغل بين صفوفهم، ليستثمر في تخريب الدولة سعيًا لإفشالها تمهيدًا لإسقاطها.


وقد اجتهدت الإمامة عبر دُعاتها وأدعيائها في اختراق النظام السياسي واستهدافه، فشهدت الجمهورية سلسلة من الانقلابات واغتيال رؤساء اليمن وقياداته السياسية والعسكرية والقبلية.


ومنذ المراحل المبكرة لعمر الثورة تشكّلت مسارات الصراع السياسي والمجتمعي، التي شتّتت جهود الدولة وأضعفتها، وأدخلتها في صراعات سياسية وقبلية ومناطقية دفع اليمنيون ثمنها الباهظ.


لم يكن الإعلان عن المؤتمر الشعبي العام مجرد تأسيس حزب تنظيمي سياسي يتولى السلطة ويقود البلد فحسب، بل كان مبادرة انقاذية من الرئيس الشهيد علي عبدالله صالح، الذي أعلن قيام المؤتمر وإطلاق برنامجه السياسي المتمثل في الميثاق الوطني. وقد شكّل هذا الخيار الإصلاحي الفعلي وسيلة لحماية النظام الجمهوري وتحصينه.


فالميثاق الوطني، الذي تأسس عليه المؤتمر الشعبي العام عام 1982م، كان الوثيقة الفكرية والسياسية المرجعية للحزب كان في حقيقته وثيقة جامعة لكل اليمنيين، ولعل أبرز ما تميز بها أنها وثيقة سياسية وفكرية تنطلق من قاعدة شعبية واقعية، مرتبطة باليمن: الأرض والإنسان، وهو ما شكّل سر تفرّد المؤتمر الشعبي العام ككيان سياسي متجذّر في الانتماء الوطني والمجتمعي. لم يكن الحزب صناعة أجندات خارجية، ولا انعكاسًا لثقافات أيديولوجية وافدة لها امتداداتها البعيدة عن هوية اليمن وانتمائه وقراره الداخلي.


لقد منحت القاعدة الفكرية للمؤتمر الشعبي العام مختلف القوى السياسية والمجتمعية والدينية حقها في ممارسة نشاطها داخل وسط جمهوري تفاعلي، ساهم في بناء النظام السياسي للدولة وترسيخ التعددية السياسية في اليمن.


ومع أن المؤتمر الشعبي العام مارس السلطة كحزب حاكم، إلا أنه لم يستأثر بها؛ إذ شاركه في مراحل متعددة قوى سياسية مختلفة. صحيح أنه اختلف معها أحيانًا، واتفق معها أحيانًا أخرى، وتعارض معها في مواقف، لكنه لم يصل إلى القطيعة أو الإنكار، ولم يجرّ إلى الحرب، حتى وإن واجه خصومة سياسية. فقد كانت طاولة الحوار دائمًا هي الخيار الذي يلتقي حوله اليمنيون عقب كل خلاف، ولم يكن هذا قاصرا على المؤتمر وحده بل كان سلوك سياسي تلتقي عنده كل الأحزاب السياسية.


وحدها قوى الكهنوت الإمامية هي من دفعت المؤتمر وغيره من الأحزاب نحو الحرب. فلم تكن حرب صيف 1994 إلا تعبيرًا عن السلطة الخفية للنزعة الكهنوتية في تقسيم اليمن.


ولم تكن الأحداث التي شهدتها البلاد، وصولًا إلى تمكّن قوى الانقلاب الكهنوتي من السيطرة على الدولة، إلا ثمرةً للاختراق والتغلغل في أجهزة الدولة، حتى تم إسقاطها، وليتحمّل الجميع مسؤولية ما حدث.


لم يعد من المجدي أن يحاول البعض الاصطياد في مواقف السقوط التي مكنت الكهنوتيين من انقلابهم ومحاولاتهم إسقاط النظام الجمهوري، أيا كانت الذرائع.


فعند هذه اللحظة الجمهورية الفارقة، التي يجتمع فيها كل اليمنيين برجال دولتهم وأحزابهم وقياداتهم وقبائلهم وأبنائهم المخلصين، معلنين مقاومتهم لقوى الانقلاب الكهنوتي، يجب أن نقف لتحية روح اليمن العظيمة التي جمعتنا، لا أن ننشغل بالبكاء على أطلال المواقف البينية وتشويه رفاق اليوم بجريرة الأمس.


اليوم، بتوافقنا ووحدة مسيرتنا، يمكننا بناء اليمن واستعادة دولتنا. وما ينقصنا هو الإيمان بأن قدر اليمنيين في اجتماعهم، ونصرهم في وحدتهم، وعزتهم في مقاومتهم للنزعة السلالية الخبيثة بمحركها المذهبي الزيدي، الذي يشرّع لقتل اليمنيين واستعبادهم.


ومهما اختلف اليمنيون فيما بينهم، يظل انتماؤنا لبعضنا البعض هو المحرك الوجداني الذي يجمعنا. ولسنا بحاجة إلى أن نكون أبواقًا تردد ما يمليه أي سرب، أو أتباعًا لأي قطيع يرى في نفسه وفي جمهوره وحدهم المحررين والمدافعين عن اليمن.


ودمتم بخير.