لا زلت أتذكر هذا التأريخ جيداً، سنة ٢٠١٧، وقد دعينا بحملة أنا نازل، والترتيب للصعود الى صنعاء، بعد سنوات من الشد والجذب،وفجأة تلونت البلاد من ريف تعز الى قلب صنعاء بالشعار المؤتمري،وجد الكهنوت نفسه لا شيء، وأدرك ضعته بعد ثلاث سنوات خومنة،لم يعرف قدره الا حينها، وقد ظن أن الشعب تخومن، وفجأة إنكسر .
كان المهرجان الأخير للزعيم صالح في صنعاء رسالة أخيرة للناس،وللأطراف، فلم يعد الرئيس، ولا بيده سلطة ولا مال حتى،ويعجز أن يفسح للمواكب نقطة عسكرية، ولكن الحشود تقاطرت، من تعز الى صنعاء، ولا أنسى مشهد إب، مذ تلك اللحظة تعني لي محافظة إب شيئاً كثيراً، فلما وصلنا إب وجدنا الناس تخرج جميعها، الشوارع مكتظة بأنفاس العابرين لتلبية نداء صالح،والمواكب تتقاطر من الأرياف والى المدينة، ساعات ونحن وسط إب، نعجز عن المرور، كما لو في المحشر، بمخيلة الناس .
داست الناس نقاط الكهنوت، بالقوة ، وعبرت الى صنعاء، وصلنا صنعاء قبلها بيوم، وتفقد نفسك من فرط الزحام، لا شيء يعلو على شعار الخيل، ولا صورة الا للزعيم صالح، ولا أغانِ الا لأيوب طارش،وحده يغني ويصهل، وتوقفت الحياة في صنعاء لأيام،الكل يأتي، والكل يحتفي، الكل يلصق شعار الحزب وصورة زعيمهم .
وللحقيقة، كان حشداً نابعاً من إيمان وإخلاص عميقين، لم يهب الزعيم للناس أي شيء، أحدهم من تعز حدثني في الميدان أنه باع بقرته ثمن الصعود وأسرته، لو كنت أملك شيئاً لعوضته كل شيء .
أراد صالح أن يلوح تلويحته الأخيرة للناس، هو يعرف القادم،ويدرك، يدرك مصيره، وهو دعا الناس للسلام الأخير، وكاذباً من قال أو يقول وأعتقد أو يعتقد أن صالح دعاهم الى صنعاء لمعركة، وفجأة تراجع، لم يفعل ذلك ولن يفعل، صالح أعظم من أن يرمي جماهيره من كل اليمن الى مصير دامِ،وهم جماهير عزل .
كان الحشد الأخير لصالح تبايناً وبياناً للعالمين وصار مساراً يشكل خطوات الفداء والخلود .
لأيام إنتهى ذكر الكاهن، ولا يُرى عبدالملك، أدرك الجرذ المختبئ بكهفه أن شعباً مهما هادنه لا ينتمي له، وقابل للإنفجار كل لحظة،وأن هناك جامع وحيد، يجمع البلاد، وهو علي عبدالله صالح.
حشد صالح الأخير لم يفزع عبدالملك وحده، بل أفزع المحور الإيراني، بل وأفزع إيران، التي قررت الخلاص من الرجل، فلم يحدث أن شخصية في دول المحور نافستهم بل غلبتهم بحب الناس وهذا يهدد محورهم الأسود، وتكالبت عليه خبرات العمائم الخمينية .
لا أريد حشداً بهذه المرحلة، وإن سمحوا بذلك،فالحشد الأخير،لعموم الناس،هو التذكرة الحقيقية لحجم وقوة المؤامر،ولنترك الأمر الى الخلاص،الى حين دفن الزعيم بقلب مسجده، في جامع الصالح .
كان الحشد الأخير مقاومة من نوع آخر، في قلب الدجل، بعمق الكهنوت، وهو يغلب جبهة وجبهات، وكما يقال وقيل وسيقال لي الناس خذلته، وسأرد قولاً : الناس لا تقاتل، الجماهير لا تفعل .