يستمر هذا السؤال في الإلحاح مع كل جدل يُثار بين محبي الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح وبين خصومه، ورغم أنه يشكّل مسألة تحولت إلى ورقة مناكفة بين الطرفين لم تهدأ خلال العقد الماضي؛ إلا أنه سؤال مهم يبحث عن إجابة توثيقية دقيقة للتاريخ.
يوم أمس 29 يوليو 2025م، نشر الأستاذ صلاح علي القادري رواية لاتصال هاتفي دار بينه وبين الرئيس صالح في الذكرى الحادية عشرة لهذا الاتصال الذي كشف فيه القادري عن توجيه صالح له بالاستعداد لانتخابات نيابية ستُعقد بعد ستة أشهر -حسب الشهادة-، وأعتقد أن الرئيس صالح قد يكون اتصل بكثير من مواليه في المديريات والعزل من المشائخ والمؤثرين في قيادة المؤتمر الشعبي العام لذات السبب الذي يأتي ضمن استعدادات انتخابية يُحضِّر لها الرجل.
وإذا كان الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح قد اتصل بالأستاذ صلاح القادري باعتباره شيخًا مؤثرًا في عزلة وراف بمحافظة إب؛ كما عُرف عن أهم ميزاته تواصله المباشر بالأعيان في مختلف المناطق؛ فالأرجح أنه اتصل أيضًا بآخرين ممن كان قد قرر أن يرشحهم عن حزب المؤتمر.
المهم في شهادة القادري بعد 11 سنة؛ هو موضوع التحضير للانتخابات؛ التي قال القادري إن الرئيس صالح طلب منه تحضير نفسه لخوض الانتخابات النيابية في منطقته بعد أن أبلغه بخبر اتفاقه مع الرئيس هادي على عقد انتخابات رئاسية ونيابية بعد ستة أشهر.
تأتي أهمية شهادة الأستاذ صلاح القادري في محتواها وتزمينها؛ فمن حيث المحتوى، فالمرجح أن أكثر الأطراف السياسية التي كانت حريصة على انتهاء الفترة الانتقالية في موعدها وإجراء انتخابات بعدها هو الرئيس صالح، لأنه أكثر الأطراف قدرة على خوض المنافسة الانتخابية بجدارة -رغم معارضتي لسياسة فترة حكمه-؛ ومن حيث التزمين، فالشهادة تتحدث عن اتفاق بين رئيس الجمهورية وقتها "هادي" وسلفه "صالح" على إجراء انتخابات؛ اتفاق حدث في لقاء بينهما قبل شهر وعشرين يومًا تقريبًا من اجتياح المليشيا الحوثية صنعاء.
من المهم على من يملك تفاصيل أكثر عن هذا الاتفاق أن يدلي بشهادته، فهذه معلومة لا يمكن تفويتها ولها دلالة كبيرة قد تشرح بشكل أوضح التفاعلات السياسية التي حدثت قبل وأثناء الانقلاب الحوثي على الدولة والمواطنة والنظام الجمهوري.
شخصيًا، لديَّ قناعة بأن أكثر الأطراف السياسية التي كانت تثق بقدرتها على الفوز بالانتخابات هو المؤتمر الشعبي العام -أثناء رئاسة صالح-؛ لذا من الطبيعي أن يكون أكثر الأطراف ضغطًا باتجاه تنظيم انتخابات ما بعد الفترة الانتقالية، ويبدو أن قلق الحوثيين وطهران من احتمال مضي القوى السياسية بتنفيذ الاتفاق بين الرئيسين صالح وهادي قد عجّل بتنفيذ المليشيا مخططها الإيراني للانقلاب على السلطة الشرعية والنظام الجمهوري، خشية انتقال الشرعية الدستورية إلى سلطة جديدة منتخبة تنتهي معها المرحلة الانتقالية، ما سيصعب من إمكانية نجاح أي تحرك حوثي للانقلاب.
من البديهي إن أي اتفاق بشأن الانتخابات سيدفع الحوثيين لإدراك أن الانقلاب على السلطة الشرعية الانتقالية ومحاولة تصفية رئيسها هي لحظة مناسبة لن تتكرر، ومن الصعب عليهم تفويتها؛ فالانقلاب قبل أي انتخابات وتصفية الرئيس الانتقالي سيترك فراغًا يجعل من انقلابهم المسلح أمرًا واقعًا سياسيًا.
لم تنتظر الحوثية طويلًا، فبعد شهر واحد فقط وثلاثة أسابيع من لقاء الرئيسين صالح وهادي، اجتاحت المليشيا العنصرية الإرهابية العاصمة صنعاء، وعطلت الحياة السياسية، ونسفت الاتفاقات، وحالت دون انتهاء الفترة الانتقالية التي كانت توشك على الانقضاء، وقضت على فرصة وشيكة لعودة الحياة السياسية الطبيعية.
سارعت الحوثية إلى تنفيذ انقلابها خشية من أي اتفاقات بين القوى السياسية الوطنية في طريقها للتنفيذ، وساعدتها في انقلابها ظروف متعددة شكلتها حالة الذهول من قبل الأطراف السياسية ممزوجة بشكوك وعدم ثقة مشتركة بين القوى الوطنية، وتوافر غطاء مراوغ من قبل المبعوث الأممي حينها، كل ذلك مهّد الطريق للانقلاب المرور إلى صنعاء وفرض الأمر الواقع عليها وعلى كافة الأطراف السياسية بلا استثناء، بما فيهم المؤتمر الشعبي العام والرئيس صالح.
لقد استهدف المشروع الحوثي الإيراني النظام الجمهوري والحياة السياسية برمتها، وفي مقدمتها المؤتمر الشعبي العام وأحزاب اللقاء المشترك، اللذين جمعهما استهداف الانقلاب لهما معًا ولم يفرق بينهما سوى أن صالح اختار البقاء في صنعاء والتعامل مع الأمر الواقع الجديد وعدم مقاومته؛ قبل أن يُضطر في ديسمبر 2017م للنضال المسلح ضده.
وسواء اتفقنا أو اختلفنا حول صواب أو خطأ خيار صالح في عدم مغادرة صنعاء، إلا أن الأكيد أن قضية بقائه في صنعاء كانت قضية مبدئية بالنسبة له، وأكدت الأحداث أن مسألة خروجه من صنعاء كانت مسألة غير قابلة للنقاش بالنسبة له، حتى في اللحظات الأخيرة من حياته.
أصبح واجبًا على كافة السياسيين الذين يعرفون تفاصيل اتفاق الرئيسين صالح وهادي على عقد انتخابات رئاسية وبرلمانية كان يُتوقع حدوثها مطلع 2015م، الإدلاء بشهادتهم حول ذلك، خاصة وأن استعجال الحوثيين بالانقلاب واجتياح المحافظات لم يترك فرصة للقوى السياسية للخوض في نقاش التفاصيل الفنية لذاك الاتفاق، وغيّب هذا الاتفاق التاريخي المهم عن الإعلام أيضًا.
هذا الاتفاق الذي يؤكد أن انقلاب المليشيا الحوثية واجتياحها صنعاء استهدف، إلى جانب استهدافه للرئيس الشرعي، استهدف الاتفاق الذي سعى له المؤتمر الشعبي العام ورئيسه بتنظيم انتخابات برلمانية وتشريعية كانت ستحول دون نجاح المخطط الحوثي الإيراني بإسقاط العاصمة العربية الرابعة بيد المشروع الفارسي في المنطقة.
إن سعي المؤتمر الشعبي العام وزعيمه صالح إلى عقد اتفاق مع الرئيس هادي على انتخابات من شأنه أن ينفي المزاعم بتورط علي عبدالله صالح بإدخال الحوثيين صنعاء وشراكته معهم في الانقلاب، فهذا الانقلاب استهدف من يومه الأول المؤتمر الشعبي العام ورئيسه ومساعيهم السياسية لإنهاء المرحلة الانتقالية بانتخابات كان من المحتمل، حال إجرائها، عودة سيطرة المؤتمر الشعبي العام على السلطة مجددًا.