عندما نتحدث عن إيران، فإننا لا نتحدث عن عدوٍ تقليدي ولا عن دولة عابرة في التاريخ الجيوسياسي للمنطقة. نحن نتحدث عن قوة إقليمية منظمة، تمتلك واحدة من أكبر الترسانات الصاروخية في الشرق الأوسط، وتُدير مشروعاً نووياً طموحاً، وتتقن لعبة التوازنات الدولية بين الشرق والغرب. إيران، بواقعية بحتة، أصبحت رقماً صعباً في معادلة المنطقة، لا يُمكن تجاوزه ولا يُمكن تجاهله.
منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979، لم تخفِ طهران نواياها التوسعية، ولم تكن يوماً خجولة في الإعلان عن "مشروعها". هذا المشروع لم يكن فقط عسكرياً أو سياسياً، بل فكرياً وطائفياً أيضاً، يعتمد على زرع الكيانات والمليشيات الموالية في قلب الدول العربية، من اليمن إلى العراق، ومن لبنان إلى سوريا، وحتى في بعض دول الخليج. دعمٌ مالي، تسليحٌ نوعي، وتغلغلٌ عقائدي — أدوات استخدمتها إيران في تشكيل جيوش رديفة داخل حدودنا، بينما نحن منشغلون في معاركنا الداخلية وصراعاتنا الهامشية.
إيران النووية... الحقيقة التي نتهرب منها
اليوم، إيران أصبحت في موقع الدولة النووية شبه الرسمية — إن لم تكن قد امتلكت القنبلة فعلياً. التخصيب بلغ نسباً حرجة، والخبرة التقنية موجودة، والبنية التحتية جاهزة. والأهم: أن الغرب نفسه يعلم ذلك، ويهادن.
بل وأكثر من ذلك، تقف خلف إيران دول بحجم باكستان — وهي دولة نووية فعلياً — وربما تركيا، فيما تدعمها دول كبرى كروسيا، الصين، وكوريا الشمالية، ليس حباً في إيران، بل كرهاً في هيمنة الغرب على المنطقة. لقد نجحت إيران في تفكيك الحصار، ومراوغة العقوبات، والخروج تدريجياً من عباءة الضغط الأميركي، عبر إعادة التموضع في تحالفات أكثر جرأة واستقلالية.
السؤال الذي يُحبط كل عقل عربي: أين نحن من كل هذا؟
نحن، كدول عربية، خصوصاً الخليجية منها، نمتلك سلاحين استراتيجيين لم نحسن استغلالهما: النفط والمال.
سلاحان كان بالإمكان استخدامهما كورقة ضغط على الغرب لمقايضة أمننا القومي بتكنولوجيا الردع، أو على الأقل بضمانات أمنية حقيقية لا شعارات إعلامية. لكننا، وعلى مدى عقود، اكتفينا بدور "الزبون" في صفقات التسلح، نشتري ولا نصنع، نستورد ولا نطور، نعتمد ولا نبادر.
في الوقت الذي بنت فيه إيران برنامجاً نووياً محاصَراً ومطاردًا، نحن لم نبنِ حتى مفاعلاً بحثياً مشتركاً، ولم نملك الإرادة السياسية لاتخاذ قرار حقيقي نحو "مشروع ردع عربي"، ولو حتى في شكله الرمزي.
بل وصلنا اليوم إلى نقطة أصبحنا فيها نعتمد على التحالف مع الكيان الصهيوني ذاته — تحت شعار "مواجهة الخطر الإيراني"، وكأننا نُعالج المرض بالسم. هذا التحالف لم يمنحنا الردع، بل جرّدنا من آخر ما تبقى من أوراقنا الأخلاقية والسياسية أمام شعوبنا.
الخلاصة: إيران تخطط وتنفذ... ونحن ننتظر التطمينات.
وإذا كان لا بد من الاعتراف، فليكن واضحاً: إيران فهمت طبيعة العالم الجديد، واشتغلت على مشروعها بعقل بارد وذراع ساخنة. أما نحن، فما زلنا نُراهن على حليف لا يُراهن علينا.
*بسـ الطميري ـام