عندما يتعلق الأمر بالعالم العربي نجد ان هناك تقاطعا مريبا في الأهداف بين إسرائيل وإيران. فالمشروعان الإيراني الطائفي المذهبي والإسرائيلي الاستيطاني التوسعي ، يحملان رؤية واحدة تجاه الدول العربية تتمثل في الإضعاف والتفكيك والهيمنة.
تسعى إسرائيل لترسيخ مشروع إسرائيل الكبرى ، متكئة على القوة العسكرية والتحالفات الغربية ، مستمرة في ارتكاب المجازر والانتهاكات بحق الشعب الفلسطيني ، كما هو الحال اليوم في غزة ، لم تكتف إسرائيل بسلب الأرض ، بل تعمل على ضرب أي مشروع عربي مستقل يمكن أن يهدد تفوقها العسكري والاقتصادي والسياسي.
تقدّم إيران نفسها حامية لفلسطين وخصما للاستكبار العالمي ، لكنها ساهمت عمليا في تدمير أربع دول عربية : العراق وسوريا ولبنان واليمن ، كما دعمت الاحتلال الأمريكي للعراق ، وأطلقت العنان لمليشيات طائفية قتلت مئات الآلاف ، وساندت نظام الأسد بالسلاح والمليشيات ، وساهمت في تهجير ملايين السوريين وفي لبنان أسست ودعمت حزب الله ؛ لتعطيل الدولة ، ثم رعت الحوثيين في اليمن متسببة في قتل مئات الآلاف من اليمنيين وتحويل اليمن لساحة حرب بالوكالة ، ومزعزعة استقرار اليمن وجيرانه ، كل ذلك تم تحت لافتة المقاومة ، في حين كانت النتيجة الحقيقية تفتيت المجتمعات العربية ، وتغذية النزاعات الطائفية ، وضرب فرص التنمية والاستقرار .
تقاطعت المصالح الإيرانية والإسرائيلية في استنزاف العرب ، ومنعهم من امتلاك مشروعهم القومي ، كل من إيران وإسرائيل لعبتا دورا رئيسيا في تحويل الصراع العربي الإسرائيلي إلى صراع داخلي عربي–عربي ، وهو ما يصب في مصلحة إسرائيل والغرب أولا ، ومصلحة إيران من حيث توسيع نفوذها الطائفي ثانيا.
إذا نظرنا للمصلحة العربية من منظور استراتيجي ، نجد أن هزيمة إيران تمثل مكسبا كبيرا للعرب ؛ لأنها ستضعف أذرعها المسلحة المنتشرة في الدول العربية ، وتفتح الباب أمام استعادة الدولة الوطنية العربية لعافيتها ، وإعادة الاعتبار للهوية العربية الجامعة في مواجهة الطائفية السياسية ، وفي المقابل فإن هزيمة إسرائيل هي أيضا ضرورة قومية ؛ لأنها تمثل النقيض التام لأي مشروع نهضوي عربي ، واستمرار وجودها كقوة غاشمة ، يمثل خطرا دائما على الأمة العربية ، كما أن انتصارها يعني تكريس الاحتلال في فلسطين ، وفرض المعادلات الإقليمية بمنطق الغلبة والقوة ، وسعي إسرائيل لتحقيق مشروع إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات .
كل من إيران وإسرائيل تمثلان خطرا وجوديا على العالم العربي ، ومن الخطأ الاستراتيجي التعامل مع إحداهما كحليف في مواجهة الأخرى ، وحده المشروع العربي ، الذي يقوم على طي صفحة تعبئة القرار العربي للمشاريع الإقليمية والدولية ، وعلى الحرية والوحدة والتنمية ، قادر على حماية العرب من المشروعين معا ، واستعادة زمام المبادرة في رسم مستقبلهم .
ينبغي أستغلال العرب لانشغال إيران وإسرائيل في صراع مفتوح يستنزف قدراتهما ، كمساحة لإعادة بناء الذات العربية. إن الخطر الحقيقي الذي يحدق بالعرب لا يكمن فقط في المشروع الإيراني أو الإسرائيلي بحد ذاتهما ، بل في غياب المشروع العربي المقابل ؛ لذلك فهزيمة أحد المشروعين لا تكفي ، فالمطلوب اليوم أن يبنى العرب المشروع الحضاري العربي المستقل ، الذي يعيد للعرب وزنهم ويحافظ على سيادتهم ووجودهم .