آخر تحديث :الأربعاء-04 يونيو 2025-01:53ص

في فلسفة الانتظار التي ألهمتني العنوان

الثلاثاء - 03 يونيو 2025 - الساعة 01:18 ص

د. قاسم المحبشي
بقلم: د. قاسم المحبشي
- ارشيف الكاتب


قراءتان للكتاب من مصر والجزائر في التعليق


ذات يوم سألني صالح أخي أبو مهيب : لماذا تكتب كلمة (فيما يشبه) بعناوين منشوراتك ومقالاتك؟ تلعثمت ولم أجد جوابًا منطقيًا حينها وأتذكر أنني قلت له: لا أعرف لماذا علقت بذهني هذه اللازمة اللغوية؟ وحينما خلوت بنفسي أخذت أتأمل في الأمر فأخذتني الذاكرة إلى زمن مضى ربما لعقدين من الزمن منذ بدأت استخدم تلك العبارة دون أن أكون واعيًا بها. إذ يحدث أحيانًا أن تتسلل بعض العبارات إلى اذهاننا دون وعي منًا. وربما وجدت تفسيرًا لها في علم التحليل النفسي. إذ أن عالم التحليل النفسي سيجموند فرويد في كتابه المهم تفسير الأحلام قد أكد بأن كل ما يصدر عن الإنسان من افعال وأحلام وافكار وأوهام وعبارات وكلام يمكن فهمه وتفسيره بإعادته إلى اسبابه والأسباب أربعة( قريبة وبعيدة وظاهرة وخفية) حتى زلات اللسان لها معنى حينما تصدر عن الإنسان دون ارادته . والحلم سر الشخصية بحسب اريك فروم. والإنسان لا يحلم إلا بالأشياء الحيوية التي عجز عن إشباعها في الواقع. والجائع لا يحلم إلا بالخبز والعطشان يحلم بالماء والمسجون يحلم بالحرية والمحصور يحلم بالحمام والمحروم يحلم بموضوع حرمانه والخائف يحلم بالأمان والحزين يحلم بموضوعات حزنه والمظلوم يحلم بخراب ظالمه والمقهور يحلم بموت قاهره ..الخ. وهكذا هي الأحلام لأيمكن تفسيرها وفهمها إلا بما قبلها وفي سياق حاضرها الحي الفوري المباشر. في ذات السياق يمكن لي ولكم فهم معنى كلمة ( فيما يشبه) التي أدمنت كتابتها في عناوين مقالاتي دون وعي حاضر. كتبت فيما يشبه الفرح وفيما يشبه التهنئة وفيما يشبه الاحتفاء وفيما يشبه الاعتذار وفيما يشبه الحياة وفيما يشبه الوطن وفيما يشبه الأمل وفيما يشبه الحرية وفيما يشبه الشعر وفيما يشبه الحب وفيما يشبه الحلم وفيما يشبه التفكير وفيما يشبه الحزن وفيما يشبه المؤسسات وفيما يشبه الجامعة وفيما يشبه المدينة وفيما يشبه الثورة وفيما يشبه الدولة وفيما يشبه الثقافة وفيما يشبه البشر فيما يشبه الجيوش وفيما يشبه الصلاة وفيما يشبه الحرب وفيما يشبه الثقة وفيما يشبه الصدق وفيما يشبه العلم وفيما يشبه الحقيقة.. الخ. نعم كتبتها في عناوين مقالاتي المنشورة. ولم أكون على دراية واعية بحضورها الكثيف هذا. وربما يعود الفضل لصالح أخي الذي استفزني بسؤال التلقائي وجعلني أتفحص الدلالة في هذا العبارة العالقة في ذهني. وجدتها نابعة من احساس عميق بان تلك الحياة التي نعيشها في هذه الأصقاع المسممة بالبؤس والخراب والظلام والخوف والجريمة ليست حياة طبيعية للكائن الإنساني. أنها فقط فيما يشبه الحياة. وجودنا فيما يشبه الوجود، أحلامنا فيما يشبه الأحلام، أفراحنا فيما يشبه الأفراح، لا شئ طبيعي وراسخ ويبعث على الاطمئنان والثقة والحلم والأمان في هذا بلاد العرب العاربة والمستعربة .اننا نعيش في حالة وجودية عبثية؛ حالة تعي قوة التمييز والحكم. وتلك هي السمة العامة التي تتسم بها المجتمعات التي تضيق فيها حدود الحرية ( حرية الضمير والفكر والاعتقاد والعمل ) إذيندر أن تجد فيها أشخاص طبيعيين يتصرفون على طبيعتهم ببراءة وعفوية بالاتساق مع سجيتهم الحقيقية ، بل تسود ثقافة وقيم ازدواجية الشخصية بين الظاهر والباطن وتزدهر قيم التكلف والتزلف والنفاق والمرآءة واللف والدوران والكذب والأحقاد والضغائن والخيانات والغدر والخديعة والشتم والغيبة والنميمة وانعدام الثقة والشك والارتياب وسوء الفهم والتفاهم والفصام وسرعة التقلب من حال الى حال و الجمع بين المتناقضات دون الشعور بالتناقض وصعوبة التنبؤ بسلوك الأفراد وردود أفعالهم، واختلاط المعايير وغياب الحدود بين الغث والسمين بين الجيد والردئ ويمكنكم تعداد المزيد من القيم السلبية من واقع حياتكم وتجاربكم الشخصية. أتمنى أنني استطعت أن أجيب على السؤال ولو بالحد الأدنى.


في ذات السياق جاءت فكرة كتاب فيما يُشبه الانتظار بوصفها فكرة محملة بكنانة شاملة بالأمل والترقب والصبر والرجاء وحينما يعجز الواقع عن إشباع حاجاته الملحة يضطر اخيرا إلى الحلم والأمل. في تلك الحزمة من الأوراق جمعت الانتظارات التي كانت بخاطر ولا زالت تؤرقني؛ انتظار انكشاف المعنى فيما وراء العماء وانبلاج الفجر من جبة الظلام وانفراج أزمات الأوطان في بلاد العرب والإسلام وبيان اتجاهات المسار في استعادة الذات العربية ونهضتها المأمولة من هشيم المسألة الأوروبية بحسب تعبير الدكتور حاتم الجوهري. وفي ذلك الخضم المكتوب على مركبة العواصف بما يحمله من ممكنات واحتمالات شتى حاولت إن اجتهد في بيان الرهانات التي من شانها أن تعيد التأسيس وتستعيد الضربة النهضوية للذات العربية ومنها: الجامعة بوصفها مؤسسة أكاديمية عامة والنخب الثقافية بوصفها جماعة من الأفراد يمتلكون خصائص مميزة تجعلهم أكثر قدرة على التميز في أداء أدوار شديدة الأهمية في حياة مجتمعاتهم ولاسيما مجال توجيه المجتمع واتخاذ القرارات السيادية المهمة في مختلف مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية.وهي فئة أو شريحة اجتماعية صغيرة وفاعلة ومهيمنة في مجال فعلها ونشاطها بقدرة على استحواذ عناصر قوة المجال والتحكم في قواعد لعبته الخاصة. كما يحتوى الكتاب جملة من المقالات التي تمكنت من كتابتها ونشرها اثناء إقامتي في مصر أم الدنيا التي احبها بغرض التفرغ العلمي ومنها؛ في معنى التفرغ العلمي ومصر في عيوني والاهرامات التي تدهشني والسؤال الفلسفي اليمني في ساقية الصاوي الثقافية وليلة حولية في الساقية واللغة العربية بين الشفاهية والكتابية والهوية وإستراتيجيتها وحاتم الجوهري ونظرية إعادة التوظيف وآمنة النصير وتجليات الألوان والمعاني والتعليم في اليمن وثورة ١٤ أكتوبر بين الحلم والواقع والعلاقة بين العلم والثقافة والجودة الأكاديمية وقيمها العالمية واشياء اخرى احببت توثيقها فقط لاسيما بعد أن ادركت أن الكتابة الورقية وصناعتها التقليدية قد بار سوقها في زمن الإنترنت وبعد أزمة كورونا التي غيرت كل شيءٍ في حياتنا. أتمنى أن لا يكون جهدي قد ذهب سدى وأن يجد كتابي هذا ما يستحقه من القراءة والنقد والتقييم.