الملحمة قصيدة طويل تحاكي وتسرد حدث عظيم لجماعة أو مجتمع أو شعب في لحظة زمانية مكانية تاريخية وثقافية متعينة؛ اذ يمتزج الطبيعي بالثقافي التاريخي بالاسطوري والخيالي بالواقعي والممكن بغير الممكن والحلم بالرجاء والكوميدي بالتراجيدي .الخ. والشعر هو الأقدر على مزج كل هذه التنويعة الغرائبية في مجمرة المعنى. وحينما يكون الشاعر هو الرائي الكبير عبدالله البردوني الذي يجيد النظر إلى البعيد تكون القصيدة وثيقة كاشفة لما لم يكن بمقدور أحد أن يراه. نعم الموهبة تصيب الهدف الذي لا يستطيع أحد إصابته، بينما تصيب العبقرية الهدف الذي لا يستطيع أحد روئيته بحسب نيتشه. وحينما تتوقد المشاعر في روح الإنسان وعقله الباطن ويحتدم الانفعال العاطفي مع الخيال الشاعري بإزاء موقف أو حدث عظيم أو قضية شعب وحلمه الاثير تتولد القصيدة الملحمة بوصفها إنزياحاً إبداعيًا متسامياً للشاعر الحكيم، إذ تجعله موهبته يحلق في آفاق الحدث المهم على أجنحة الصور والمعاني المرهفة الحس والرمز والدلالة. هكذا انزوى بصير اليمن في صومعته الأثيرة حينما كان الجميع يحتفلون بإعلان الوحدة الاندماجية بين جمهوريتي اليمن الجنوبية( جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في عدن) والشمالية( الجمهورية اليمنية العربية في صنعاء ) مثل الأول ومثل بها علي سالم البيض من عدن ومثل الثانية ومثل بها علي عبدالله صالح من صنعاء إذ اتفقا في نفق جبل التواهي على إعلان الوحدة الاندماجية بين الدولتين وذلك في ٢٢ مايو ١٩٩٠م. وقعا التوحيد الاندماجي بين دولتين في ورقة صغيرة كتبت على عجل بصفحة ونصف فقط في اجواء احتفالية صاخبة لم يكن يراها شاعر اليمن الحكيم بل كان يسمع عنها ويتوجس مخاطرها المؤكدة عاجلا أو آجلا لانه يعرف هشاشة الواقع السياسي اليمني ورعونة نخبه الغبية وبعد شهرين من العزلة الإبداعية والتأمل في معنى الحدث المهم ( إعلان الوحدة اليمنية الاندماجية خرج الشاعر عبدالله البردوني بتلك الملحمة الشعرية التي ربما لا يعرف معناها العليين الشمالي والجنوبي لانها فوق مستوى فهمهم ( ربيعية الشتاء ) هكذا أسماها اعمى بردون المبصر الوحيد في زمن العماء الشامل! ربما كان فقد البصر نعمة في أزمنة البؤس والانحطاط فالاعمى يسمع ولا يرى يحدس ولا يلمس يتأمل ولا ينفعل يتخيل ولا يتنيل يغترب ولا يندمج يتنبأ ولا يتشيأ. قصيدة منسوجة بحكمة العارف وحلم الفاهم وفطنة المثقف وبصيرة المبدع وعبقرية المتفرد ولكنها شديدة التعقيد في المبنى والمعنى ولا تبوح بسرها إلا لمن يجيد قراءة الرموز والاشارات وسياقاتها الظاهرة والخفية. أنها خلاصة اللغة ولعبتها البلاغية الاثيرة في مجمرة الشعر والشعور المتقد بقوة الابداع والسحر والجمال . كتب الناقد توفيق الجند مقال بعنوان ( كيف تنبّأ البردّوني بمصير "الوحدة" اليمنية يوم ولادتها؟ قائلا " كتب عبدالله البردّوني قصيدته الشهيرة "ربيعية الشتاء" خلال شهري مايو/ أيار، ويونيو/ حزيران 1990، أي أنها أخذت فترة زمنية استثنائية دون سائر قصائده، بالتزامن مع حدث تاريخيّ انشغل اليمنيون جميعًا بالاحتفال والفرحة به والانسياق العاطفي معه، دون التفكير المنطقي والعقلاني اللازم لرؤية مقدماته بوضوح، وقراءته بمنطق طبيعي يربط بين المقدمة والنتيجة، وبين الأسلوب وطبيعة وشكل المنتج النهائي، وهو ما تفرغ له عبدالله البردّوني وحده، بطبيعته المغايرة والمتفردة"
🌺ربيعية الشتاء🥀 المنشورة في ديوان جوال العصور ١٩٩٣م من عنوانها العنوان الذي يحمل في طياته مفارقة الرمز والمعنى: الجمع بين “الربيع” رمز الإشراق والحياة، و**“الشتاء”** رمز الانكماش والبرد والموت. هذه المفارقة العنوانية ليست زينة لغوية فحسب، بل مفتاح دلالي لقراءة القصيدة بأكملها، حيث يُشيِّد البردوني عالماً شعرياً قائماً على التناقضات التي تتآلف رغم تضادها: اليكم القصيدة الملحمية التي
تروي تراجيديا الوحدة اليمنية ومأساة الشعب اليمني في نخبه السياسية التي قادته إلى التهلكة😳
هذا الذي سمَّيتُه منزلي كان انتظاراً قبل أن تدخلي
كان سؤالَ القلب عن قلبه يشتاق عن قلبيْه أن تسألي
أن ترجعي مثل الربيع الذي يغيب في الأعواد كي ينجلي
أن تصبحي مثل نثيث الندى مثل نجوم الصيف أن تُلْيلي
أن تومئي واعدةً ليلةً وليلةً تنسين كي تبتلي
كيما تنادي الأرض: أجنيتِ يا حدائقي أينعت ياسُنْبلي
***
أَقَبْلَ سُكْرِ الوعد، قالوا صحت؟ أيُّ هوىً أرغى بها: عجِّلي؟
هذا زمانٌ مذهلٌ ذاهلٌ عنه فمن حاولتِ أن تُذهلي؟
ذاجمر صنعا خُفْتُ إذ أحرقوا فيه (بخور الشيخ) أن تسعلي
أن تصرخي: هل رامني موئلاً مَنْ غاب عن حسبانه موئلي
أظنُّ ماأسرعتِ كي تُدهِشي هل قال داعي القلب أن تُقْبلي؟
أقول ماذا؟ صاح من لا أرى : عليك من نصفيْكِ أن ترحلي
من مكتب التأجيل قالوا: ثبِي أنهي كتابَ الأمس؟ لا، أجِّلي
لاتحملي أيُّ كتاب ولا دواةِ (جيفارا) ولا (الزِّركلي)
رحلتُ منْ ساقي، إلى سُرَّتي منْ أعْرَضي أعدو إلى أطوَلي
مفاصلي كانت طريقي وما درتْ حصاةٌ أنها مِفْصلي
***
أَقرأتُ كفِّي البرقَ حنّى فمي قرأتُ كفَّ المشمش الحوملي
هل مرَّ يا ابْني مَنْ هنا أو هنا أيُّ جوادٍ جَدُّه (مَوْكَلي) ؟
هل خلتَ موّالاً كسرب القطا يزقو ويدعو: ياربى موِّلي
***
أسمعتُه (الجرّاش) و(القَعْطَبي) بكى على (بستان) و(الموصلي)
ومدَّ نحوي سلّةً لم يقل صِلي بها مهواك أوْ وصِّلي
***
ناديتُ: ياذا الورد ضمِّخْ يدي فقال: أهلي قطَّعوا أكْحلي
وقال (قاعُ الوطْية) استخبري (عيشانَ) عن قمحي وعن خردلي
***
ماذا ألاقي يا(بن علوان) قلْ يا(عيدروسُ) احْمِلْ معي مُثْقِلي
أيٌي، أنا، بيني وبيني، على أيِّ الشطايا وجهيَ الجرْولي
***
سألتُ ذاتَ الودْعِ ماطالعي؟ أفضتْ بردَّيْنِ: عليَّ ولي
لأيِّ أزواجي جنى عِشرتي خذي سواهم قبل أن تحملي
جمالُ هذي الحقْبة استْنوقَتْ والآن ياإنسانة استرجلي
وغيِّري (يحيى بيفنى) وكي تُبدِّلي عن جوفكِ استبدلي
***
واحتثَّني مُسْتقبلي قبل أن أعدَّ رمّاني ولا حنظلي
قولي: أيبدو منزلي غير ما عَهِدْتهِ مَنْ قبل أن تنزلي
تنحنحتْ مثل الخطيب الذي أنساه شيءٌ، صوتَه المحفلي
***
كان كوجْر الضبِّ ذا البيت لو أتيتِ قبلاً خفتُ أن تجفلي
والآن مَنْ بعد التصابي صَبا وقام بعد العري كي يحتلي
أحضانه امتدت وجدرانهُ سكرى على قاماتها تعتلي؟
لكل قنديل وكأسٍ صِباً ولليالي فرحٌ مشتلي
وذكرياتٌ ضاحكات كما حكى (الخُفَنْجي) عن (علي عَيْطَلي)(6)
قال (الشبيبي): نجمكِ الثور يا (قرنا) وأبدى شكَّه (العَنْدَلي)
قال اجتلى هاءً ودالاً بلا حاء وواوٍ، فاقطعي، أو صِلي
***
يُقال أخبرت الشذى إنني رسولةٌ لم أنتخب مُرْسلي
فقال: باسمي ضلَّلوني وبي حيناً، وقالوا: باسمهم ضللي
***
يبدو لسمعي (هَبَليّاً) فهلْ تحسُّني ألحاظُهُ (المَقْبَلي)
بُولي على جبهته، فادّنى وقال: شدِّي لحيتي واتفلي
أراكِ غيري آخر المنتهى بدءاً، ونادى مَنْ هنا بسملي
قل: أصبح الشطران بي شطرةً لابأس في جرحيك أن تَرْفُلي
***
هل تسمعين الزفَّةَ الآن؟ لا أصمَّني يا (دامُ يابَلْبلي)
تسعون طبّالاً وطبّالةً شهراً وقالوا: مثلُهم طبِّلي
***
هناك من يأبى: أقيلَ انظمي للكل داراً، أم بها كبِّلي؟
أأنت من غنيتُ: جودي لنا بالوصل، هل أبكي لكي تبخلي؟
ومَنْ ينادي كالشعاع اهبطي ومن يفادي عن هنا حوّلي؟
ومن يرى فرديّة الجمع في كفيك عهداً نصف مُتوكِّلي؟
وقائلٍ كم قيل ما دّللوا عنها، ولاقالوا لها دلِّلي
عشرين عاماً: سوف تأتي غداً ما اسم الذي كان بها مُختلي؟
وسائلٍ: ماذا سيجري؟ لمن جاءت، أيا خضراء لا تأْمُلي
فما أفادت علم شيءٍ سوى ما ينبغي يا أُمُّ – أن تجهلي
صوغي على كفيك أخرى تريْ صباك في مجلى صباها الجلي
هل ذاك – ياأولى – الذي يحتفي إذ جئتِ يخشى الآن أن تأفُلي؟
***
هناك مَنْ يسلوك من يجتوي هنا الذي يدعوك يا معقلي
ويفرش الخدّين كي تخطري ويملأ الكأسين كي تثملي
كلي تحلمي حلم النواسي، صحا من سكرة (الكرخي) بقُطرُبُّلي
وواقف يفديك فهّامةٌ ترقين مثل الشمس كي تعدلي
يجلو بعينيك الرؤى تالياً نصف كتابٍ كلُّهُ ما تُلي
مُعوّذاً كفيك أن تأخدي وُرَيْقَةً من قبل أن تبذلي
***
وقالت الربْوات: أعطي فمي ثدييك أربو قبل أن توغلي
وقالت الأرهار: لاتعبري فوقي فيلهو الشوك في مقتلي
***
وللمقاهي عنك صوتٌ لهُ أيدٍ، وصوتٌ فاقع بُلبُلي
وصائح يدعوك أن تقفزي وهامس يوصيك أن تكسلي
محاذراً أن تأكل الجمر عن أنياب مقتاديك أو تؤُكلي
تدرين؟ كم قالوا ولم يفعلوا قولي: تنحّوا جانباً iiوافعلي
***
يرتاب هاذ الحيُّ أن تنجزي يودُّ ذاك الربع أن تمطلي
ذا يرتئي: تلك التي أهجعت قلاقلي ما أقلقت عُدّلي
أشمها مائدتي سائلاً: متى انتهى من طبخها مرجلي؟
***
وقال شادٍ: ماشدت مثلها أسمار أعراسي ولا مَقيلي
أنسى الدجى والصبحَ وقتيهُما صوتان: عَوديٌ يلي كُعدُلي
كيف التقى نصفي بنصفي ضحىً في نضج مكرِ العصرِ يامأملي
***
وقال مضنٍ يالعقيم التي شاءت مواني (هنتُ) أن تحبلي
يابنتَ أُمَّ (الضهضمدِ) قولي لنا : أيٌّ عليٍّ سوف يخصي علي
قولي لماذا كنت أمثولةً سحريةً من قبل أن تَمثُلي
***
فقال هَجسُ الأرض: مني رقت تعيد تشكيلي، ألا شكِّلي
منْ بعضها انصبهضتْ إلى كلِّها أكلُّ وادٍ قال ذي منهلي
شغلت أعراق الثواني فهلْ يرضي سُهيلاً عنه أن تشغلي؟
في طعم ريق القات تَحمينَ عن ما قال تُفشين الصّدى المخملي
تسرين في الكاذي فتدنين من عينيه وجه البارق الأحول
تَنديْنَ في (ياظبي صنعاء) هوى تَشجينَ في أنفاس (ياصيدلي)
في الحبر تحمرّين أنشودةً في الكأس تبيضِّين كي تُشعلي
في الجمع تذكين الجدال الذي يميز الأبقى من المرحلي
هل أنت من تُحيينَ كي تعظُمي أو أنت من تُحيينَ كي تَقتُلي؟
هل خاتمي قانٍ؟ ألي خاتمٌ يكفي يدي أن سَلمتْ أنملي؟
يا صاحب الصاروخ قلبي على كفِّي كتابٌ خلفهُ منجلي
***
لابدَّ من أن تُنْبهي خاملاً وكي يُرى لابدَّ أن تخملي
لابدَّ من أن تحتفي بالتي وبالذي لابد أن تحفلي
مَنْ ذا سيعطيك لتعطي ومَنْ قال خذي، قال الحسي مَغْسَلي
مادَام ذاتُ الأمر مأمورةً به، دعيه قبل أن تُعزلي
– مني ابتدا نهجي، ألا فليكنْ صعباً ولايخشاكِ أن تَسُهلي
***
ياطلعةً ماأذبلت مطلعاً تقدَّمي هيهات أن تذبلي
ويا ربيعاً شق عمر الشَّتا تهدّلي للصيف واخضوضلي
إن زيّن الإكليلُ مَنّ قبلهُ فكلِّلي مَنْ بعده كلِّلي
***
مذ جئت جاء البدءُ مَنْ بدئِه وعاد من آخره أوّلي
واجتاز ومضاً كان مُستدفئاً به إلى الوهج الذي يصطلي
فأنكر التأريخ تأريخهُ لمّا استبان الأمسُ مستقبلي
: لا رأسمالياً أرى ذا الفتى ولا اشتراكياً ولا هيجلي
لا في (بني عبد المدان) اسمه لا من (بني باذان) لا (عَبْهلي)
وعنده زائرة مثلهُ.. تزف (عنِّيناً) إلى (المُشكِل)
ردّي على التأريخ يابنتَهُ لا تخجلي يؤذيه أن تخجلي
قالوا: إلى نصف الطريق التقوْا سجِّل بلا حيفٍ وقلْ: حلِّلي
زادوا على رأسي رؤوساً iiفهلْ تزيدني رِجلاً إلى أرجلي
ضع نصفيَ الأعلى على الركن أو حوِّل أعالي قامتي أسفلي
مااقتاد تغييرٌ خطاي التي صيَّرن مالا ينطلي ينطلي
***
وأنت ياهذا؟ يقال الذي سوف يلي يومي أبى أن يلي
لا هذه (سَيّان) لا غيرها لا (العبدلي) ثانٍ ولا العبدلي
مَنْ غيّر التشكيلَ عن شكله؟ قوّى على (الصِّلْوي) يَدَ (المقْولي)
***
فاستضحكت قائلةً: أيُّنا أراد هذا، قلتُ لا رأي لي
أمّا أنا ما جئت كهفي أنا وأنتِ كهفٌ بالمنى تغتلي
تهوى سعاداً، ليدياً، غادةً وأختَ (هنري) وابنة العوذلي
كان ابن جدي زوجَ عشر إلى أن طلّقتهُ (هَيْدبُ الحوْقلي)
***
نبغي وتخشى نصف ما تبتغي فتنثني مثل الشَّجيِّ الخلي
ترجو ولياً نائياً خيرةً فاختار لقيانا مزارُ الولي
***
تمثال هذا هيكلي، أنتَ بي كصورة فيما اسمه هيكلي
أعطاكِ طنبوراً، أنا مصحفاً فاعزفْ، ويا أميّتي رتّلي
***
عزفتُ غازلت التي والتي حتى أتتْ مَنْ كسّرت مغزلي
فالتمّ بحر القلب في كفّها كوباً بنهديْ كرمةٍ يمتلي
***
إلى رضاعي جئتِ مني ومنْ تخرُّجي فيكِ ابتدأ مدخلي
كي يرتدي عينيك معنى الضحى كي تبتدي الأنهار من جدولي
***
أما تساقينا البروقَ المِدى وآنَ أنْ أغلي وأنْ تهطلي
أن ينشر (المهديُّ) منك اللوا أو يركض (الدجّال) من منزلي