آخر تحديث :الجمعة-23 مايو 2025-02:49ص

الوحدة حق خالتي نورية أحسن

الخميس - 22 مايو 2025 - الساعة 11:01 م

فكري قاسم
بقلم: فكري قاسم
- ارشيف الكاتب


الشاهد أن اليمنيين خلال السنتين الأولى من عمر الوحدة اليمنية المباركة ؛ خرجوا الى الحياة مثل " الشضويات " بعد المطر.

واختلط الدان بالبرع

والشرح مع الباله

والبخور والفل مع الجنبية

والفوطة والمعوز والزنة

والزربيان مع السلتة والكدم .

وحملت التعددية السياسية معها انتعاشا كبيرا للحريات وشاهدت لأول مرة في حياتي التنوع في الألوان والأزياء والوجوه والوجبات ، وتنقل اليمنيين بين شطريي الوطن الواحد بقلوب مفتوحة على الحياة  دون نقاط تفتيش تجعثك يوم كامل في منفذ الشريجة – كرش .

ولأول مرة توصل خالتي "نورية" من عدن الى تعز ومعها سلة خزف في داخلها سمك "باغة" مقلي بالزيت ؛أكلناه في البيت وهو حامي ؛ وعادت في نفس اليوم الى عدن ومعها قات "صبري" وصل إلى عدن "طري" بينما كان طريق تعز عدن ايامها مثل الطريق الى الجنة . وكانت خالتي نورية في ذلك الخط الطويل مثل "البراق" تنقل الناس والأفكار والزوار  بعد دهر من الشتات.

وفي مرات كثيرة كان بيت جدي "حسين" في الحجملية يمتلي أطفال ونسوان ورجال لعوائل جاءوا مع خالتي نورية من البريقة ومن كريتر ومن المعلا والتواهي والمنصورة والشيخ عثمان ليتعرفوا على الشمال . وفي مرات كثيرة كنا ننزل من تعز الى عدن ونجي وبيت خالتي"نورية" ملان بعوائل جاءت اليها من صنعاء وإب والحدا وهمدان ليتعرفوا على عدن .

واللي جو مع خالتي نورية من الشمال عملوا لهم غطسة في ساحل الغدير ورجعوا الى قراهم ومدنهم وهم مبسوطين يرددوا " والله انها أحسن وحدة" .

واللي كانوا يطلعوا مع خالتي من عدن الى تعز يعودوا الى بيوتهم في الجنوب وهم مبسوطين بالهواء وبالبرود ويقولوا "والله أنها أحسن وحدة".

على يد خالتي نورية نفسها تزوج أكثر من 40 شمالي من عدن بينهم أخوتها الإثنين وأختي "سيناء" أيضا .

وتزوج على يدها في المقابل ايضا أكثر من 20 جنوبي من بنات من الشمال بينهم إبنائها الإثنين "وضاح" و"وسام" .

( شارع الرصافي منزل رقم 8)

واما سيف الحوباني سائق البيجو الذي بدأ بعد الوحدة مباشرة يشتغل لأول مرة في خط تعز عدن ؛ فقد كان ينقل الركاب والرسائل بسيارته بين  المدينتين . وهو في غاية الاعجاب بعناوين الشوارع والبيوت في عدن ووصل في مشواره الاول الى بيت خالتي نورية دون جعيث ولا دوار معتمدا على عنوان واضح مكتوب لديه في ورقة : البريقة ؛شارع الرصافي؛ منزل رقم( 8 )وبمجرد ما أن وصل إلى وجهته بسهولة ومن دون توهان ولا تلباج ؛ طرق الباب وهو شاكك أن يكون العنوان صحيح

ولكنه ؛ اول ما شاف خالتي نورية تفتح له الباب ؛ فرح وصاح مندهشا من أعجوبة العنوان التي لم يألفها من قبل في كل  مشاويره التي يقوم بها في شوارع وأحياء تعز العشوائية ؛ وقال لها :

- ايواااه هذي بلاد وهذي عناوين يوصل لها الواحد فيسع مش ساع حقنا في تعز

ادخل من جنب البقالة

وامشي من جنب القسم

وادخل الزغط الفلاني بتلاقي دكان في ركن الشارع يبيع فحم ؛ اسأل ابو الفحم  اينو بيت فلان الفلاني. 

المهم في الموضوع ان سيف الحوباني ؛بعد سنة من زياراته المتكررة الى عدن ؛ تزوج على يد خالتي نورية برضه وقال لأم اولاده التي في  البلاد :

- انتي الكل بالكل يا أم الاولاد ؛  وهذه الزواجه هي بس منسب نعزز الوحدة اليمنية.

وفي السنة الثانية من عمر الوحدة كان سيف الحوباني نفسه قد زوج إبنته الكبيرة "منيرة"على موظف من عدن يعمل في "المصافي" وعزم اهل البلاد ليحضروا الزفاف في بيت خالتي نورية وشرح لهم العنوان  وهو مطمئن ان محد منهم شيضيع. 

يومها وضعت خالتي نورية المكياج لمنيرة بنت سيف ؛  وزفوها فوق البيجو من نادي" كميتي هول" على مقربة من شاطيء الغدير الي شارع الرصافي منزل رقم (8) في موكب من السيارات على صوت الزفة.

وكانت منيرة مبسوطة يومها وسيف الحوباني فرحان هو الاخر يرقص في الزفة بكل سعادة ؛ بعد أن ندع له 5 زجاجات صيرة ؛ وكان مبسوطا وضحكته المصحوبة بلمعة سنة الذهب ؛ تظهر الإمتنان الى الله وعيونه غارقة بدموع الفرح وبمشاعر الامتنان لخالتي نورية ولفعائل الوحدة الإنسانية الجميلة.

تعيش خالتي نورية في عدن منذ العام 1968 رفقة زوجها "عبده علي" الذي توفي قبل سنتين من الان ؛ خالي عبده علي من الصلو ؛ وخالتي نورية من مواليد تعز ؛ لأب من وادي ظهر وأم من العدين ؛وعبرها امتد الحبل السري بين الشمال والجنوب ؛ في وحدة إنسانية عظيمة تعمدت بالحب .

وهي لاتزال حتى هذه اللحظة تعيش  في عدن واحنا  في تعز وطريق الجنة القديم  مابين خط (عدن وتعز ) اصبح موحشا ومليئا بالكراهية وبالأحقاد .

.............