في الثاني والعشرين من مايو، يضيء في ذاكرة اليمنيين مشهدٌ لا يُنسى: عَلَمٌ واحد يرتفع في صنعاء وعدن معاً، معلناً ميلاد الجمهورية اليمنية. كان ذلك في عام 1990، حين قاد الزعيم علي عبد الله صالح، بمهارة رجل الدولة وروح القائد الوطني، مساراً تفاوضياً طويلاً ألغى آخر حدود التشطير ووحّد أحلام ملايين اليمنيّين تحت رايةٍ واحدة.
و لم تكن الوحدة قراراً فوقيّاً؛ فقد سبقتها عقودٌ من الشوق الشعبي إلى يمنٍ بلا حواجز. من أسواق تعز القديمة إلى مرافئ عدن البحرية، تردّد سؤالٌ واحد: متى نزيل الخط الفاصل؟ وحين حانت اللحظة، عبّرت الجماهير عن إجماعٍ لا لبس فيه: وطنٌ واحد، مستقبلٌ واحد.
وقاد الرئيس الشهيد الزعيم علي عبدالله صالح جولات تفاوض ماراثونية مع قادة اجنوب الوطن، طَوَّع خلالها الخلافات الأيديولوجية، وحوّلها إلى بنودِ اتفاقٍ دستوري. امتلك ثلاث ركائز حاسمة:
رؤية استراتيجية للأمن القومي: دمج الساحل والعمق لإحكام السيطرة على مضيق باب المندب وتعزيز الوزن الجيوسياسي لليمن.
مرونة تفاوضية: حلّ عقد دمج جيشين وإدارتين بآلياتٍ تراعي الخصوصيّات، دون التخلّي عن ثوابت الدولة الواحدة.
كاريزما شعبية: لغة بسيطة تخاطب الوجدان، رسّخت يقيناً شعبياً بأن الوحدة ليست صفقة سياسية بل عهد وطني.
لقد حققت الوحدة اليمنية للشعب مكاسب بحجم الوطن ..
اقتصادياً: تضاعف الناتج المحلي خلال سنوات الوحدة الأولى، بعدما التقَت ثروات حضرموت النفطية مع مراكز التجارة والصناعة في الشمال.
اجتماعياً: أُلغيت “تأشيرات الداخل” ونقاط التفتيش، فتبادل أبناء المحافظات الجامعات والأسواق والأفراح.
جغرافياً: ساحلٌ يتجاوز 2500 كم منح اليمن دوراً مفصلياً على خطوط التجارة الدولية.
سياسياً: بصوتٍ موحَّد، دخل اليمن محافلَ الإقليم والعالم لاعباً لا مراقباً.
التنمية المتوازنة هي صمّام الأمان: إنصاف الأطراف يُعزّز الإيمان بالمركز.
الشراكة السياسية ضرورة دائمة: الإقصاء بذرةٌ تُنبت الانقسام.
الوحدة مشروعٌ مستمر: تُصان بالحوكمة الرشيدة والعدالة الاجتماعية، لا بالشعارات وحدها.
أخيراً: عهدٌ يتجدّد
خمسة وثلاثون عاماً مرّت وما زال اليمنيّ—من صعدة إلى سقطرى—يرفع راية الثاني والعشرين من مايو بفخرٍ لا ينطفئ. فالوحدة ليست ذكرى في الأرشيف، بل مستقبلٌ يتشكّل كل يوم بإصرار الأجيال على حماية وطنٍ وُلد كبيراً وسيبقى أكبر من كل التحديات. وطنٌ واحد لا يقبل القسمة… هذا هو الدرس الخالد لثورة الوحدة، وهذه هي الرسالة التي يكتبها اليمنيون كل فجر 22 مايو.