آخر تحديث :الخميس-15 مايو 2025-02:09ص

اليمن.. حكومة عاجزة ومشروع حوثي يتمدد

الخميس - 15 مايو 2025 - الساعة 02:09 ص

خالد علاية
بقلم: خالد علاية
- ارشيف الكاتب


في مشهد يعكس تعقيدات المشهد اليمني الراهن، تجد الحكومة الشرعية نفسها مجددًا أمام بوابات المجتمع الدولي ومجلس الأمن، تطلب العون لإعادة تصدير النفط والغاز، بعد توقف دام أكثر من عامين نتيجة الهجمات الحوثية المتكررة على الموانئ والمنشآت الحيوية باستخدام الطائرات المسيّرة.


وفي إحاطة رسمية أمام مجلس الأمن بتاريخ 14 مايو 2025، حمّل السفير اليمني لدى الأمم المتحدة، عبدالله السعدي، جماعة الحوثي مسؤولية مباشرة عن خسائر اقتصادية جسيمة تجاوزت 7.5 مليار دولار منذ أكتوبر 2022، مؤكداً أن توقف التصدير أصاب الاقتصاد الوطني بالشلل التام، وأدى إلى انهيار العملة، وتوقف صرف الرواتب، وتدهور الخدمات الأساسية، ما عمّق من معاناة ملايين اليمنيين في عموم المحافظات.


قرارات معلّقة وعجز دولي مزمن


جاءت هذه المناشدة الحكومية في وقت يصادف الذكرى العاشرة لصدور القرار الأممي 2201، الذي أُقر تحت الفصل السابع لدعم الشرعية وردع الانقلاب الحوثي. غير أن الواقع الراهن يفضح مفارقة صارخة: قرار كان من المفترض أن يكون أداة ردع، تحوّل إلى وثيقة بيروقراطية عاجزة عن فرض أي التزامات حقيقية على الحوثيين.


ويرى مراقبون أن الحكومة الشرعية تحوّلت إلى رهينة "شرعية دولية" غير فاعلة، عوضًا عن أن توظفها كأداة لتحقيق سيادة فعلية على الأرض، بل إن هذا الاعتماد المفرط على الغطاء الأممي أضعف من قدرتها على اتخاذ قرارات جريئة أو تبنّي مسارات مستقلة.


حكومة بلا أدوات.. واستجداء بلا استراتيجية


في الوقت الذي تكتفي فيه الحكومة بإصدار بيانات إدانة وقلق متكررة، يتساءل محللون عن جدوى هذه اللغة في غياب أدوات ردع حقيقية أو حتى مبادرات اقتصادية بديلة.


فرغم التهديدات المتصاعدة، لم تقدّم الحكومة حتى اللحظة خطة طوارئ لإنعاش الاقتصاد أو الحد من الانهيار المتسارع. غابت الاستراتيجية، وغابت معها أي محاولة جدية لاستئناف جزئي للتصدير من مناطق آمنة، أو لتفعيل شراكات إقليمية يمكن البناء عليها.


ويذهب بعض المتابعين إلى القول إن الحكومة تعاني من شلل إرادي، ناتج عن ضعف القيادة المركزية، وتردد مزمن في اتخاذ قرارات تتجاوز عقلية "الانتظار والشكوى".


اقتصاد يحتضر وورقة الريال تحترق


اقتصاديًا، شكّل توقف تصدير النفط ضربة قاصمة لدورة الإيرادات العامة في بلد يعتمد بشكل رئيسي على العائدات النفطية. ومع غياب البدائل، لجأت الحكومة إلى طباعة كميات جديدة من العملة المحلية دون غطاء، ما أدى إلى تسارع الانهيار النقدي، وارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات غير مسبوقة.


ويحذر خبراء من أن هذه السياسات المرتبكة، في ظل تراجع الدعم الخارجي وانشغال العالم بأزمات أخرى، تنذر بانفجار اقتصادي ومعيشي وشيك ستكون تبعاته أكثر قسوة على المواطنين.


مشروع حوثي يتمدد بثبات


في مقابل هذا التراجع، يواصل المشروع الحوثي تمدده على الأرض دون مقاومة تذكر. فالمليشيا تمارس سلطتها بثقة مطلقة، من خلال الجبايات المنظمة، وتكريس القبضة الأمنية، وصولاً إلى استهداف البنية التحتية والاقتصادية في مناطق الحكومة الشرعية دون أي رد رادع.


وبات من الواضح، وفق خبراء، أن الحكومة بسياسة "التوسل المستمر" تفقد ما تبقى من أوراق القوة، وتمنح الحوثيين فرصة ذهبية لفرض مشروعهم كأمر واقع، في ظل عجز دولي وعربي عن تغيير المعادلة القائمة.


خلاصة المشهد


اليمن يقف على مفترق طرق شديد الخطورة: حكومة تصرخ دون أن تتحرك، واقتصاد يتهاوى بصمت، ومليشيا توسع نفوذها دون توقف.


أما المجتمع الدولي، فبين حساباته السياسية وتعقيدات مصالحه، يكتفي بإصدار بيانات لا تتجاوز قاعات مجلس الأمن، فيما تتآكل تدريجيًا ملامح الدولة اليمنية لصالح مشروع جماعة مسلحة.


النتيجة باختصار: مشروع الدولة يتقلص.. والمشروع الحوثي يتمدد.. والتعويل على تعاطف العالم وحده لم يعد سوى رهان الخاسرين.