الكاتب والمفكر المغربي محمد عابد الجابري عنده نظرية خطيرة عن اللغة العربية وتأثيرها في التفكير ويمكن كثير ناس ما انتبهوا له.
قال إن اللغة العربية، زي ما جمّعها علماء اللغة زمان، هي لغة حسّية صحراوية مش مجردة.
بمعنى؟ يعني كلماتها وأفكارها ما تشتغلش إلا لما ترتبط بشي محسوس، شي نقدر نشوفه أو نلمسه. ما فيهاش قدرة على التعبير عن المفاهيم المجردة، زي الزمان، المكان، الحقيقة، السببية، والقدر، وغيرها.
الجابري وضّح إن السبب أن العرب زمان، خصوصًا علماء اللغة، لما قرروا “يجمعوا” اللغة ويقننوا القواعد، راحوا ركّزوا على لهجات البدو في البادية، على أساس إنها “العربية الفصيحة” والمصدر الحقيقي. وبهذا الشكل، تجاهلوا كل الكلمات والمصطلحات اللي نشأت في المدن والأسواق والمراكز الحضارية. وبدل ما اللغة تكون متنوعة وغنية، حصروها في مفردات بدوية بسيطة… كلها تدور حول الجمل، والمطر، والرمل، والقبيلة، والغزو.
وهنا المشكلة: لما اللغة تصير حسّية ومحدودة، يتكوّن معاها عقل محدود.
الجابري يقول: العقل العربي ما يقدرش يتعامل مع المفاهيم المجردة.
مثال بسيط؟ الزمان.
احنا كعرب ما نفكرش بالوقت كرقم مجرد. ما بنقولش الساعة “ثلاثة وربع” أو “أربعة وخمسة وثلاثين” إلا قليل. دايمًا نقول: “بعد العصر”، “قبل المغرب”، “بعد الصلاة”، “وقت الفطور”… دايمًا نربط الوقت بحدث معين.
وأنا عن نفسي، عانيت من هذي المشكلة. لما أقول لواحد من أصحابي نلتقي الساعة 4، يرد يقول لي: “يعني بعد العصر شوية؟”
ولما أصر أقول له “بالضبط الساعة 4”، يحس إنّي متشدد أو غريب!
وهذا بالضبط اللي يقصده الجابري… ما عندناش إحساس بالزمن كفكرة مستقلة، نربطه دايمًا بشي ثاني.
ومش بس الزمان! الجابري يقول حتى تصورنا لله نفسه، تأثر بهذي اللغة الحسية.
يعني ما قدرنا نتخيله كقوة مجردة، فوق الزمان والمكان. بل تخيلناه كشخص، جالس فوق، ويتدخل في الأحداث بشكل مباشر.
ولهذا السبب ، حسب ظني، ما طورناش عقل علمي يبحث عن الأسباب الطبيعية، بل صرنا نربط أي شي يصير بفاعل مجهول: “الله أراد”، “الجن”، “القدر”، “أمريكا”، “اليهود”، “الماسونية”… نادراً ما نفكر نقول: “ليش صار كذا؟”، “ما هو السبب العلمي؟”، “وش تفسيرها؟”
اتقد أيضا إن احنا ما نفهم “الحقيقة” كمفهوم مجرد، بل نبحث عن "حقيقة " حيية ومحددة وجواب واحد نهائي، ونعتبره هو “الصواب”، والباقي كله خطأ.
ولهذا السبب، الفتوى صارت عندنا أهم من النقاش. لما تسأل، مش علشان تفتح حوار، لا… تسأل علشان تطلع بإجابة واحدة “تفصل” الموضوع خلاص. هذا حلال؟ هذا حرام؟ انتهى!
يعني سؤال ما ينطرحش بهدف التفكير، بل بهدف إغلاق التفكير.
ويمكن هذا السبب اللي يخلينا كعرب نحب “نظرية المؤامرة”. لأننا مش قادرين نفهم كيف الأشياء تتحرك بسبب ظروفها المعقدة، فنختصر كل شي ونقول: “أكيد في جهة خفية تحرك الأحداث”. يا هو الحاكم المطلق، يا جماعة سرية، يا ثري من أثرياء العالم، يا الغرب، يا اليهود، يا سحرة، يا أي شي… المهم في فاعل خفي يتحكم بكل شي.
والله كلام الجابري دقيق. واللي يقرأه بعيون مفتوحة، بيحس إنه يشرح لنا كيف نفكر، ليش نغلط، وليش أحيانًا نعيد نفس الأخطاء.
لكن للأسف، كتابه “نقد العقل العربي” وخاصة الجزء الثاني ما قرأه كثير، ويمكن البعض حس إنه صعب أو ثقيل. بس أنا أشوف إنه واحد من أهم الكتب اللي لازم نقرأها ونفهمها، لأنه اقترب كثير أصل المشكلة.