12 اغسطس.. يوم الشباب العالمي من كل عام
الثلاثاء - 13 أغسطس 2024 - الساعة 12:25 ص
من المعروف أن صفة الشباب تطلق على الفئة العمرية التي تتراوح ما بينعام 14-30 من عمر الإنسان، وبعض علماء نفس النمو يحددها من السن الثامنة عشر حتى الأربعين وهي أفضل وأخصب وأجمل مراحل العمر، وبهذا وصف الشباب بأنه سلطان العمر! وزهرة العمر، وربيع العمر، فالشباب هو القوة والجموح والتدفق والحيوية والنشاط والطاقة الخلاقة والمغامرة والتنافس والتميز والحب والفرح والبذل والعطاء ففي هذه المرحلة العمرية تتفتح براعم الشخصية وتتكشف المواهب والقدرات الفردية عند الإنسان ذكرا كان أم أنثى. وفي هذه المرحلة العمرية البالغة الأهمية والخطورة في حياة الإنسان يزداد الشعور بالذات والانا والهوية الفردية المستقلة، والوعي العميق بالعالم والحياة والمستقبل، والشباب هو أخصب مراحل العمر الجسدية والعقلية، فهو سن ظهور العبقريات والابتكار والإبداعات العليمة والأدبية والفنية والرياضية. الخ. وقد أعتدنا على ترديد القول بأن (الشباب هم نصف الحاضر وكل المستقبل) لكن الإحصائيات الرسمية تشير إلى إن نسبة الشباب العرب بين السكان هي أكثر بكثير، وذلك بسبب عوامل كثيرة من بينها انخفاض متوسط عمر الإنسان العربي ما بين 50-60عام. والحروب والنزوح والهجرة والفقر والمرض.. الخ. وعلى مر العصور كان الشباب هم الطاقة الحيوية الخلاقة التي تبعث الحياة والقوة والأمل في الجسد الاجتماعي وتمده بالدماء الجديدة والعقول الرشيدة إذ عليهم تُعقد الآمال وتتطلع الأفئدة إلى أفعالكم الطيبة ومشاريعكم المباركة في بناء المجتمع المدني العربي الجديد , غير أن ما ينبغي علينا أن ندركه اليوم هو أن المستقبل لا ينتظر أحد, ولا يتحقق بالمعجزات أو بالأمنيات , بل هو ما نصنعه نحن هنا والآن بأيدينا وعقولنا وتعاوننا , فإذا تركنا هذه اللحظة تمر بالتخاذل والخذلان والكسل واللامبالاة فمن المؤكد أن مستقبلنا سيكون خاسر , وإذا ما جعلنا من هذه اللحظة التي نعيشها الآن لحظة فاعلة ونشيطة وزاخرة بالحيوية والإنجاز فلا ريب أن المستقبل سيكون أفضل , فلا يحصد المرء إلا ما زرعه بيده (ومن جد وجد ومن زرع حصد((ومن (يزرع الرياح يحصد العاصفة) ومن يزرع الخير والجد والعطاء يحصده ! والعمر قصير جداً فمن غير الجائز أضاعته في الانتظار فما لم نفعله اليوم يصعب اللحاق به غداً، والزمن أغلى وأثمن شيء في حياة الإنسان، أنه الحياة عينها، وأي تبذير للوقت هو تبذير للحياة. وقديماً قال الشاعر " ألا ليت الزمان يعود يوماً لا خبرة بما فعل المشيب!
لكي يؤثر الشباب والشابات في مرحلة البناء والعمل وتطوير النسيج الاجتماعي المدني، لابد من امتلاكهم/ كهن/ واكتسابهم/ كهن/ المعارف والمهارات والقدرات الفكرية والفرص لتلبية احتياجاتهم واحتياجات المجتمع، حيث تبرز أهمية استقلالية الشباب ومسؤولياتهم في معرفة حقوق الإنسان وقواعد القانون والانفتاح والتوسع وتشجيع الحوار بين الثقافات والوصول إلى القيم الإنسانية والنزعة الإنسانية، على اعتبار أن الإنسان هو مصدر المعرفة لإلغاء سلطة الظلم والاستبداد والتمييز والعنصرية بأساليب حضارية وسلمية ومدنية وإنسانية، تنبني على ثقافة التسامح ولغة الحوار، وما انجذاب الشباب إلى العمل من داخل تنظيمات المجتمع المدني، واهتمامهم بالفعل المؤسساتي المجتمعي، إنما هو إيمانهم بدورها القوي والمؤثر في إحداث التغيير والإصلاح لتحقيق حرية وكرامة الإنسان وتطوير المجتمع وتنمينه"
ويعد الشباب بحضورهم ونشاطهم التطوعي جوهر الحياة المدنية في المجتمعات المعاصرة لاسيما في عصرنا الحديث بعد ان اتسعت وتعقدت مجالات الحياة وعلاقاتها المتشابكة "إذ أن الحكومات, سواء في البلدان المتقدمة أو النامية, لم تعد قادرة على سد احتياجات أفرادها ومجتمعاتها, فمع تعقد الظروف الحياتية ازدادت الاحتياجات الاجتماعية وأصبحت في تغيّر مستمر, ولذلك كان لا بد من وجود جهة أخرى موازية للجهات الحكومية تقوم بملء المجال العام وتكمّل الدور الذي تقوم به الجهات الحكومية في تلبية الاحتياجات الاجتماعية, ويطلق على هذه الجهة " المنظمات الأهلية" 1
وتجدر الإشارة إلى إن المجال المدني لا يكون ولا ينمو إلا بالعمل التطوعي التضامني العضوي ، بعكس علاقات المجتمع التقليدي حيث يكون التضامن ميكانيكي بحسب عالم الاجتماع الفرنسي دوركهايم ، ولا يخلو أي مجتمع من وجود قيم التعاون والتضامن المدني الأهلي بين أفراده وفي مجتمعنا العربي الإسلامي حثنا ديننا الإسلامي الحنيف على التعاون والتآزر والتراحم والتشاور والتواصي بالصبر قال تعالى " والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين أمنوا وعملا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر" سورة العصر .وفي الحديث الشريف " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضواً تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"
كلنا يعرف أن الإنسان كائنا اجتماعيا مدنيا بالفطرة , كما يقول أبن خلدون إذ هو الكائن الحي الوحيد الذي لا يستطيع العيش بمفرده بمعزل عن الجماعة , فالجنين الإنساني يهلك خلال يضع ساعات إذ ما تُرك بدون رعاية , والعائلة هي اللبنة الأساسية في تكوين المجتمع, أنها مدرسة المشاعر الأولى وأول نمط للعمل المشترك بين أعضاء المجتمع ثم تأتي العشيرة والقبيلة وهي روابط اجتماعية تقليدية تقوم على أساس العمل المشترك , لكن التضامن والفاعلية الاجتماعية في هذه المؤسسات التقليدية الانقسامية هو كما يسميه عالم الاجتماع الفرنسي دور كهايم " تضامنا آليا ميكانيكيا " إذ أن الفرد لا يختار عائلته ولا عشيرة ولا قبيلته ولا معتقده ولا لغته , بل هي سابقة بوجودها عن وجوده , ومن ثم فهو منتمي إليها بغير إرادته الحرة , بل بالولادة والنسب والقرابة ورغم أن هذه الكيانات الطبيعية البيولوجية مؤسسات اجتماعية تقليدية إلا إن الانتماء إليها ليس اختياريا وليس للفرد فيه شخصية حرة ومستقلة, ومن ثم يصعب الحديث عن عمل مشترك بين أفراد القبيلة, بل هناك تضامن آلي وتفاعل ميكانيكي تقليدي هذا النمط من العلاقات والحياة الاجتماعية هو نمط المجتمع ما قبل المجتمع المدني الحديث ما قبل الدولة والسياسية إما المجتمع المدني أو السياسي كما نسعى أن يكون عليه مجتمعنا العربي المعاصر, فمن المهم إن يكون للشباب دورا جوهريا في ترسيخ قيم التضامن المدني والعمل المشترك بين الشباب حيث تكون الروابط التي تربطهم بعضهم ببعض هي روابط أفقية مدنية عقلانية مشتركة تنبع من رغبة حرية الإرادة والاختيار العقلاني التعاون والتطوع والتضامن في شبكات عمل عضوية ليس لها غايات ربحية أو إيديولوجية ضيقة . والعمل التطوعي المشترك هو الشرط الجوهري لتنمية قيم المجتمع المدني الذي نصبو اليه وننشد تنمي انه التنظيم الاجتماعي الذي ينتمي إليه الأفراد بإراداتهم الحرة وهو يشغل موقعاً وسطاً بين الأسرة مجال الحياة الخاصة, والسياسية مجال الحياة العامة والرسمية والسوق مجال تنافس المصالح والربح والخسارة. فالمجتمع المدني الذي نسعى إلى تنميته هو نمط مختلف من التضامن والنشاط والأهداف والغايات، هنا يمكن الحديث عن منظمات ومؤسسات وروابط وفعاليات مدنية سليمة وصحية وفاعلة فنحن اخترنا الانتماء إلى جمعيتنا بإرادتنا الحرة , ولا نعير أي أهمية للأصول القرابية والطائفية والسياسية التقليدية , لأننا نؤمن بالمساواة بين الناس وأن لا أحد أفضل من الأخر بالحقوق الأساسية المطلقة , حق الحياة , وحق العمل وحق التعبير وحق المواطنة , وتكافؤ الفرص,والعمل المشترك بين الشباب ليس خياراً من بين خيارات أخرى , بل هو الخيار الوحيد الذي يواجهنا " إذا أردنا فعلاً لا قولاً تنمية حياتنا المدنية وجعلها جديرة بالتسمية والقيمة والاعتبار ,وإذا أردنا بناء الدولة المدينة الحديثة , دولة النظام والقانون , دولة العدالة والإنصاف وتكافؤ الفرص . أن ضرورة العمل التطوعي المشترك بين الشباب العربي لا تنبع فقط من اشتراكهم في ذات الفئة العمرية, بل من طبيعة تلك المشكلات والهموم والتطلعات والاهتمامات والأحلام والآمال التي يتقاسمونها ويعانونها مع مجتمعاتهم العربية التي تفتك بها الأزمات والشرور والتحديات وهي مشكلات وتحديات يستحيل مواجهتها إلا بتنظيم الجهود المشتركة والتعاون الفعال, (واليد الواحدة لا تصفق) ومع الجماعة رحمة, كما أن النشاط المشترك بالنسبة للشباب, هو حاجة سيكولوجيه وتربوية فالنشاط التعاوني الجماعي المشترك بالنسبة للشباب , يعد فرصة لا تعوض لتنمية الذات واكتساب خبرات ومهارات لا يمكن الحصول عليها في الكتب, خبرة التعارف والتعاون والتضامن وتجارب مواجهة المشكلات والانخراط في المجتمع, وتكوين الصداقات والتعبير عن الذات وتنمية القدرات وإشباع الاهتمامات والتطلعات .. الخ.
ختاما
لعلكم سمعتم عن كتاب (الشوامل والهوامل) فقد كان البدو في الصحراء ولا زالوا يطلقون جموع الإبل في الصحراء بحثاً عن الماء والكلأ ويسمونها الهوامل، ويحتفظون بثلاث إلى سبعة من الابل العتاق بقرب مضارب خيامهم، ويسموها الشوامل! إذ يطلقونها بعد بضعة أسابيع من غياب الهوامل لتقوم بجمع شملها والعودة بها إلى ديارها، ولابد من منح فرصة للقيادات الشابة لتكون هي شوامل اليوم وجعلهم رواد مشاريع بناء المجتمع الجديد التي ستظهر نتائجها المثمرة على المدى البعيد.