آخر تحديث :السبت-27 يوليه 2024-05:52م

في أوجه الشبه بين السياسة والسباحة

الأربعاء - 29 مايو 2024 - الساعة 08:23 م

د. قاسم المحبشي
بقلم: د. قاسم المحبشي
- ارشيف الكاتب


لا يمكن للمرء أن يتعلم السباحة على اليابسة
ولا يمكن للشعب أن يتعلم السياسة دون ممارسة! فكما أن كل كتب السياحة لا يمكنها أن تعلمك العوم دون أن تلقي بجسدك إلى البحر وتخطرش الماء بيديك وقدميك فكذلك هي السياسة يستحيل تعلمها بدون ممارستها في الحياة المدنية وقد كان التاريخ وسيظل الحقل المتاح للممكنات والموارد التي يستخدمها الناس في تدبير حياتهم وتجاوز أزماتهم وتأكيد حضورهم في عالم الممارسة الاجتماعية الحية الفورية المباشرة فالممارسة هي الجزء المختفي من جبل الجليد؛ جليد الوجود التاريخي التراكمي لعلاقات القوة واستراتيجياتها المعلنة والمضمرة فالممارسة ليس مثالاً غامضاً أو أرضية تحتية للتاريخ أو محركاً خفياً بل هي ما يفعله الناس حقاً وفعلاً في عالمهم المعيش فالكلمة (الممارسة) كما يقول الفرنسي بول فين " تعبر بوضوح عن معناها  وإذا كانت بمعنى من المعاني (محتجبة) كالجزء المحتجب من جبل الجليد" فتلك هي وظيفة السياسة بوصفها علاقات قوى إذ "طويلاً ما أخفت السياسة عني السياسي" إنها تخفيه، ليس بمعنى ما يخفي القطار قطاراً آخر، بل بمعنى أن أي قطار يخفي السكة التي يجري عليها. هناك مسافات كثيرة وفضاءات متعددة وأسطح مختلفة ولكن هنا سكة حديد واحدة مهيأة لسير جميع القطارات" تلك السكة هي تاريخ القوة واحتدامها في كل لحظة من لحظات سيرورة الحياة الاجتماعية للناس الساعيين لتحقيق مصالحهم الحياتية في عالمهم المحكوم بعلاقة القوة والهيمنة والتنافس والصراع الدائم المستمر بين الافراد الجماعات والشعوب والحضارات. نعم الناس الأحياء هم الذين يصنعون التاريخ ولكنهم لايصنعونه على هواهم بل في ظل شروط معطاة لهم سلفا من ماضيهم وممكناته المتاحة.  فكما إن أهل المدينة يتعلمون فن السباحة في شواطئ البحار القريبة أو في المسابح العامة التي يتم إنشاءها لهذا الغرض ، فكذلك يفترض أن يتعلم الناس فن السياسة وقواعد لعبتها الخاصة في المدينة بالميدان العام المباح لجميع الراشدين ذكورا واناثا بدرجة متساوية من الأهلية والفرص.
في البلاد العربية وفي ظل النخب السياسية الاستبدادية لم تمنح السلطات السياسية هذا الحق الطبيعي لرعايها بوصفهم مواطنيين احرارا كما هو حال الدول الديمقراطية الحديثة في الغرب والشرق بل أخضعتها بقوة النار والحديد لتحقيق مشيئتها، والنتيجة هي هذا التخبط والخراب التي بلغته المجتمعات العربية اليوم, إذ باتت اليوم تهيم على وجوهها في دوامة مهلكة من الانفجارات الغاضبة العنيفة والهستيريا الجمعية المسدودة الآفاق!
وهكذا يكون الحال حينما يتم تجفيف المسبح المدني السياسي من الشروط الصالحة للممارسة السياسة بحرية وعدالة وسلاسة ليستحيل إلى قاع صفف أو مرتع للمياة الضحلة وبؤرة للأسرار والأساطير والمخاوف والمخاطر والأوهام كما هو حال السياسة في بلدان الطغيان العربية المعاصرة التي تكتب على المواطن أن يسير جنب الحائط وتنذره بإن الجدران لها عيون وأدان ! ويمنع الاقتراب والكلام بحيث أن كل من يحاول السباحة في المسبح السياسي الحرام يرتطم رأسه في الصخرة التي تخفيها المياه الآسنة؛ مرتع الطفيليات والأفاعي والكائنات السامة !

السياسة لعبة قوى وصراع محتدم بين أطراف المصالح والاستراتيجات  المتنافسة مثلها مثل الألعاب الأولمبية نسبيا على الاقل في صورتها العامة، فيها الغاية تبرر الوسيلة ، في إطار قواعد اللعبة المعنية ، والسياسي الماهر مثل الرياضي الماهر هو من يكسب النتيجة النهائية ، ومن السذاجة الطفولية ان يعيد المهزوم سبب هزيمته الى ما فعله  خصمه ، عدوه ، منافسه , مباريه ,مقابله ..الخ. كم أصاب بالذهول! حينما اسمع بعض من يعتقدون أنفسهم  ( قادة وساسة ) حينما  يحملون اعداءهم او خصومهم مسؤولية هزيمتهم وفشلهم السياسي المهين ولا اعتقد ان مثل هذا يمكنه ان يقال في مجالات الالعاب التنافسية الاخري في مختلف فنون الرياضة بما في ذلك رياضة  النزال بين الفرسان حتى الموت كما نشاهده في افلام الكابوى , رعاة البقر الامريكية , ذلك لاني اعلم كما تعلمون انتم اعزائي عزيازتي بان مثل هذا الكلام او الادعاء يقع خارج حدود العقل والحس السليم _ اقصد منطق الالعاب التنافسية كلها تقريبا بما في ذلك اللعبة السياسية العالية الشحنة التنافسية الصراعية  حتى الموت , حيث( ما فيش يا امة ارحميني ) كما يقول المثل العدني. اذ ان وظيفة خصمك او عدوك او منافسك السياسي  وغايته الجوهرية هي  ان يهزمك وينتصر عليك ويغلبك ويسحقك ان مكنته منك او تمكن هو باي طريقة من الطرق , ذلك هو المعنى والمغزى الاساسي من فكرة اللعبة التنافسية والصراعية السياسية  بالحرب والسلم وهنا يمكن لنا فهم قول الالماني كفرزفون في كتابه  ( فن الحرب ): (الحرب  هي سياسة بوسائل اخرى ) من اسمها , اقصد السياسة هي ( لعبة قوى ) لا مجال فيها للشفقة والرحمة والتمني واللامبالة والطيبة والسذاجة والبراءة والدواعة والعواطف والانفعالات والكلام الفارغ الذي لا يودي ولا يجيب  , هناك ثمة عدو , خصم يتربط بك يريد يصرعك ويهزمك ويكوش عليك باي طريقة من الطرق الممكنة طبعا  بمعنى يمكنه فعلها يستطيعها مهما كانت بشاعتها ولا اخلاقيتها كما اكد الفيلسوف السياسيالايطالي بحق نوقولاي  ميكافللي في كتابه الشهير  ب الامير الذي يعد انجيل السياسة والسياسيين في كل العصور بلا منازع اذا ان تاريخ العالم من آدم  حتى اليوم يمر عبر درب ميكافللي السياسي الواقعي العقلاني حد القساوة, ( في الحرب انا مقابل عدوي وفي السياسة انا مقابل خصومي )  حسب دوبرية  هذه سنه من سسن التاريخ وحقيقة من حقائقة  لا خير ولا شر بل هي لا يمكن الا ان تكون كذلك  بطبيعتها  الجوهرية وضرورتها الحياتية الاجتماعية  السياسية والا ما الذي يمكن ان يكونه الخصم او العدو  السياسي ,وما الذي يمكن توقعه منه ما دمت خصمه وما دام خصمك بالضرورة والموقف والمصلح والاهداف والرغبات والغايات . الخ

اذ عليك ان تفهم منذ البدء انه لا يرضعك اويطعمك اويداريك ويواسيك ويرحم ضعفك ويشفق عليك , والا فانت حمارا طيبا لا تصلح للسياسة مطلقا يا صديقي وقد قيل حقا  (ان الطريق الى جهنم السياسة مفروش بذوي النوايا الطيبة ) ومن لم يفهمها على هذا النحو فمن الخير له ان يخجل ويصمت ويداري خيبته بأسباب تحفظ كرامته الآدمية ، وهيبته المعنوية . والنصر والهزيمة من الأحوال الإنسانية ولا عيب او باس في ان نهزم او نخفق في كسب النتيجة ولكن من المهين والمخجل والمثير للسخرية والقرف ان نحمل مسؤولية فشلنا خصومنا اللدودين كما يفعل بعض الأطفال الكبار !!! ومن العيب ان يبرر شخصا سياسيا فشله وخيبته بالقول : لقد حلمنا بعكس ماجرى , اوخدعنا او زادوا علينا او كما سمعت احدهم يقول : كنت اظن الخير في الأخرين !!!! موقف مثل هذا يشبه موقف الراعي الذي منح كامل ثقته للذئاب وبعد ان اتت على خير ما لديه عاد ليولو لم اكن اتوقع  انها متوحشة وماكرة على هذا النحو , لقد خدعتني😳

نصيحة ختامية

مهما فعل بك خصمك الساسي فمن العيب ان تشتكيه للعامة ، فان فعلت فضحت نفسك ومنحته قيمة وقوة وشهادة تعزز مكانته ، فإذا لم تستطع ان تهزمه وتصرعه فمن الأشرف والاجدر لك ولمن تمثلهم ان تخرس ولا تنشر غسيلك ليشمت فيك اعداءك وتصغر في أعين أتباعك وانصارك وكل من كانوا يراهنون عليك !