أولا، فيما يتعلق بظهور اللواء عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي وعضو مجلس القيادة الرئاسي: اعتبر ما قامت به هذه القناة العريقة والمعروفة سقوطا مهنيا وأخلاقيا للأسباب التالية:
- اجتزاء كلام الزبيدي ضمن مقابلة مطولة أجريت على أساس الحديث بشأن الوضع اليمني، واختيار ما يناسب أهداف الصحفية الشمالية وربما أهداف من دفع نحو إنجاز هذه المادة.
- التلاعب في التفاصيل الفنية لظهور الزبيدي وتسليط الضوء عليه كمتهم تتم محاكمته في غرفة مظلمة، علاوة على تقريب الصورة من ملامح الرجل كمحاولة للتشكيك بحديثه ورصد انفعالات طبيعية جدا لا تثبت أي شيء.
- خلال التعريف بالزبيدي، لم تذكر الصحفية ما تعرض له الرجل من محاولات اغتيال منذ 2015 حتى الآن، نجا منها بأعجوبة وفقد أفرادا من أسرته خلال هذه المحاولات الجبانة.
- عرضت القناة ردود أفعال للزبيدي خارج السياق وهي ردود أفعال تحدث في أي مقابلات مع رؤساء وقادة ومسؤولين، ويتم حذفها من المادة النهائية ومن يعمل في هذا المجال يدرك ذلك.
إذن وأمام هذه الحقائق، فهذا سقوط مهني كبير لبي بي سي، والصحفية التي أعدت المادة. ومع ذلك، ورغم ردود الزبيدي المؤدبة والمهذبة كما تعودنا منه، فإن هناك استفهامات كبيرة حول فريقه الإعلامي ومكتبه الذي سمح بحدوث مهزلة كهذه تسيء لأحد أهم الرجال في المنطقة وليس اليمن فحسب.
ثانيا فيما يخص التحقيق نفسه، هناك موقف مبدأي يجب أن يكون لدى كل واحد منا وهو رفض كافة أشكال الاغتيالات السياسية من أي طرف وضد أي طرف، وهنا يجب إدانة ما حصل مع القيادي الإصلاحي إنصاف مايو [وأنا هنا لا أجزم بصحة رواية تحقيق بي بي سي في هذا الاتجاه]. لكن من الناحية العملية المجردة من العواطف والأحكام المسبقة، لا يثبت التحقيق شيئا حتى مع وصوله لمن يفترض أنهم مرتزقة أمريكيين شاركوا في اغتيالات بعدن بالتنسيق مع حكومة الإمارات. للأسباب الآتية:
- إذا كان الأشخاص الذين ظهروا في التحقيق مرتزقة فعلا، فهم لم يقدموا أي دليل حقيقي على مشاركتهم فيما تحدثوا عنه، ولا أعرف كيف يمكن الوثوق بمرتزقة أساسا للحديث عن أي قضية.
- إذا صحت رواية إسحاق غليمور الذي تم التعريف به كأحد المرتزقة الذين كانوا في عدن 2015، فهو يقول صراحة إن القائمة التي كانت لديه تتضمن إرهابيين من داعش والقاعدة لتصفيتهم وليس بينهم مدني أو سياسي وواحد، وهو ما يتعارض مع البيانات التي حاولت نوال المقحفي التسويق لها إلى جانب دبلوماسي شمالي سابق وناشطة لديها خصومة سياسية مع الإمارات والمجلس الانتقالي.
- ناقش التحقيق جزءا بسيطا من ملف معقد وخطير مثل ملف الاغتيالات، ولم يتطرق أو يشير إلى أن أكثر من 70% من أعمال العنف والاغتيالات في عدن كانت موجهة نحو حلفاء الإمارات في الأمن والمجلس الانتقالي الجنوبي، وحتى الضباط الإماراتيين أنفسهم. كما تم حصر هذا الملف بعدن فقط، مع إهمال الاغتيالات التي حدثت في صنعاء وتعز ومأرب.
حتى لو سلمنا جدلا بصحة مشاركة فريق أمريكي في مهام كهذه بالتعاون مع الإمارات، من الصعب محاكمة مرحلة تاريخية صعبة وحساسة مثل تلك التي عاشتها عدن بعد طرد القوات الشمالية في 2015، ففقد كانت حرب مفتوحة مع مشاريع إرهابية خطيرة تستهدف تحويل المدينة إلى نسخة يمنية من قندهار والرقة. وبالمحصلة، كل الخيارات الأمنية لتحييد هذا الخطر لها مبرراتها طالما كانت تستهدف عناصر هذه المؤامرة.
يعقوب السفياني.