كشفت مصادر صحفية عن بدء مليشيا الحوثي في العاصمة المحتلة صنعاء منذ أسابيع، تطبيق آلية مركزية جديدة لإدارة الإيرادات، وأنهت عمليًا مرحلة "الجباية الميدانية العشوائية"، واستبدلتها بما يشبه خزينة مالية مغلقة تُدار من مكتب اقتصادي مرتبط مباشرة بالقيادة العليا للميليشيا.
ونقل موقع ارم نيوز عن مصادر وصفها بالخاصة طلبت عدم الكشف عن هويتها "لأسباب أمنية"، قولها إن الآلية الجديدة تُلزم جميع الجهات المحلية، من مكاتب الجمارك والضرائب إلى شركات الوقود والاتصالات، بتحويل الإيرادات إلى مسارات مالية محددة، خارج أي رقابة مستقلة أو شفافية محاسبية.
وأشارت إلى أن الهدف ليس تنظيم المال لخدمة المجتمع، بل تحصين موارد النهب وضمان تدفقها المنتظم، في خطوة وصفتها بأنها "تعكس انتقال الحوثيين من تمويل الحرب إلى إدامة السيطرة".
الباحث اليمني سالم الحيمي يشرح طبيعة التحول الجديد فيقول "على مدى سنوات، اعتمد الحوثيون على ما سُمي "المجهود الحربي" كغطاء لفرض رسوم وضرائب استثنائية، أما اليوم، فإن الحوثيين يسعون إلى تطبيع الجباية وإدخالها في بنود مالية دائمة، تُحصّل تحت مسميات ضريبية أو خدمية، لكنها عمليًا استيلاء قسري على دخل الأفراد والتجار".
ويلتقي حديث الحيمي مع تقارير اقتصادية دولية أشارت إلى أن الضرائب والرسوم أصبحت العمود الفقري لإيرادات الحوثيين، وتشمل ضرائب دخل غير قانونية، ورسومًا على المحال التجارية والعقارات، وضرائب مبيعات على السجائر والوقود، إضافة إلى جبايات مفروضة على الواردات. هذا التحول حسب وصف الحيمي "لا يعني قيام مؤسسات، بل تغول الميليشيا على ما تبقى من الاقتصاد المحلي".
ولم يعد الوقود في مناطق سيطرة الحوثيين، سلعة خاضعة للسوق، بل أداة حكم، فمن خلال التحكم بالاستيراد والتوزيع والتسعير، حوّل الحوثيون الوقود إلى آلة مالية ثابتة وأداة ضغط اجتماعي في آن واحد.
وتؤكد مصادر إعلامية محلية متابعة لهذا الملف، بأن الأزمات المتكررة ليست دائمًا نتيجة نقص فعلي، بل تُدار أحيانًا لرفع هوامش الربح، وفرض رسوم إضافية، وإجبار السوق على القبول بأسعار مفروضة.
وتشير تقديرات وصل إليها صحفيون استقصائيون يمنيون إلى أن عوائد الوقود والجبايات المرتبطة به تُقدّر بمليارات الدولارات خلال أعوام قليلة، حيث تُستخدم لتمويل الشبكات الأمنية والعسكرية، لا لتحسين الخدمات أو دفع الرواتب. وبهذا المعنى، تقول المصادر إن الوقود يتحول من مورد حرب إلى سلاح مالي؛ فمن يلتزم يُكافأ بالتوريد، ومن يعترض يُعاقَب بالحرمان.
كما تلعب الموانئ الخاضعة لسيطرة الحوثيين دورًا محوريًا في هذا الاقتصاد القسري. وتوثق تقارير مراكز أبحاث يمنية ودولية أن موانئ البحر الأحمر تحولت إلى مصدر دخل يومي عبر الجمارك والضرائب والرسوم غير المعلنة، خاصةً على الوقود والسلع الأساسية.
ينقل مصدر استقصائي عن فعاليات اقتصادية يمنية أن ما جُمِع من ضرائب وجمارك عبر هذه الموانئ خلال فترة زمنية محدودة بلغ مئات الملايين من الدولارات، فيما تذهب تقديرات أوسع إلى أرقام أعلى عند احتساب الرسوم غير الرسمية.
لكن الأخطر، وفقًا للمصادر الاقتصادية، أن هذه الأموال لا تدخل أي موازنة عامة، ولا تُصرف على خدمات، بل تُدار ضمن شبكة مغلقة لا يعرف أحد حجمها الحقيقي ولا أوجه إنفاقها.
و لم يقتصر تمدد الحوثيين على الموانئ والوقود، فالقطاع الخاص بات هدفًا مباشرًا. وتنقل المصادر الاستقصائية عن تجار في صنعاء، أن الضغوط تصاعدت عليهم عبر فرض شراكات قسرية، وغرامات مفاجئة، وإغلاق محال بحجج ضريبية أو أمنية، فيما وثقت تقارير محلية حوادث عنف وابتزاز طالت رجال أعمال، وأدت إلى خسائر بمليارات الريالات، في بيئة تجبر المستثمرين على الاختيار بين الخضوع أو الخروج من السوق.
وبهذه الطريقة، يقول هؤلاء، يُعاد تشكيل الاقتصاد ليصبح محكومًا بشبكة موالية، بينما يُدفع المستقلون إلى الهامش أو الإفلاس.
إلى جانب الوقود والموانئ، تعمل ميليشيا الحوثي على تنويع مصادر الإيرادات عبر قطاعات عالية السيولة وقليلة الشفافية. وتشير تقارير بحثية إلى أهمية قطاع السجائر كمورد ضريبي وربحي، وإلى سيطرة الحوثيين على قنوات استيراد وتوزيع تدر أرباحًا كبيرة.
أما قطاع الاتصالات، فيُنظر إليه كخزان مالي وأمني في آن واحد، إذ سمح الانقسام المؤسسي وغياب الرقابة بفرض رسوم إضافية، وتحويل هذا القطاع إلى أداة جباية صامتة، إضافة إلى دوره في الرقابة والتحكم.
ما يجري في صنعاء لا يمكن وصفه ببناء دولة، وفقًا للباحث اليمني سالم الحيمي، بل بناء منظومة جباية مسلحة، "الحوثيون لا يؤسسون مؤسسات خاضعة للقانون، بل يحصّنون اقتصادًا قائمًا على الإكراه، يمول سلطتهم ويُطيل أمد الصراع".
وتحذر المصادر في صنعاء من أن الخطر الأكبر في هذا الملف هو أن هذا "الاقتصاد القسري قد يمنح ميليشيا الحوثي قدرة على الصمود دون حرب مفتوحة، لكنه في الوقت نفسه يعمّق الفقر ويخنق المجتمع، ويجعل أي تسوية سياسية مستقبلية رهينة بقطع شرايين المال غير الشرعي".
وتخلص المصادر بأن المعركة مع الحوثي لم تعد عسكرية فقط، بل معركة على من يملك السوق، ومن يفرض الضريبة، ومن يحتكر الوقود. وتختم بالقول "حتى الآن، تبدو الكفة راجحة لميليشيا نجحت في تحويل اقتصاد الخراب إلى أداة حكم، بلا دولة أو شرعية".
المصدر: إرم نيوز