فجّر تصريح رسمي موجة غضب عارمة وجدلاً واسعًا في الأوساط الشعبية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن كشف ناطق محافظة تعز أن إجمالي الإيرادات التي دخلت خزينة المحافظة خلال سبع سنوات لم يتجاوز 30 مليار ريال فقط، في حين تشير التقديرات والبيانات الرسمية إلى أن الإيرادات المفترضة خلال الفترة ذاتها تتخطى حاجز 140 مليار ريال.
هذا الفارق الصادم فتح باب التساؤلات على مصراعيه بشأن أداء السلطة المحلية، وملفات الفساد، ومستوى الشفافية في إدارة الموارد العامة، وسط سخط شعبي متزايد حول مصير هذه المبالغ الضخمة، ولماذا لم يلمس المواطن أي تحسن في واقع المدينة المنهك وخدماتها المنهارة.
وأفادت تقارير صادرة عن البنك المركزي في تعز بأن نحو 50% من إيرادات المناطق المحررة لا يتم توريدها إلى البنك المركزي، إضافة إلى إيرادات المؤسسات والشركات في المناطق الشرقية الخاضعة لسيطرة الحوثيين، والتي تضم كبار المكلفين ضريبيًا، وهو ما حرم المحافظة من موارد مالية كبيرة كان يمكن أن تسهم في تحسين الخدمات والبنية التحتية.
وفي السياق ذاته، كشفت مصادر مالية أن الإيرادات الشهرية لمربع وسط المدينة التي تصل فعليًا إلى البنك المركزي لا تتجاوز 100 مليون ريال فقط، أي ما يعادل 10% من الإيرادات الحقيقية، ما يعني أن قرابة 11 مليار ريال سنويًا لا تدخل خزينة الدولة.
إعادة الإعمار.. غطاء لفساد واسع
ملف إعادة الإعمار بدوره لم يسلم من الاتهامات، إذ وصفه ناشطون بأنه “مستنقع فساد مكتمل الأركان”، مشيرين إلى اعتماد مبلغ 100 مليون ريال لترميم مدرسة تُعد من الأقل تضررًا، واقتصرت الأعمال فيها على دهانات سطحية وإصلاحات طفيفة لا تتناسب مطلقًا مع حجم المبالغ المرصودة.
كما اتهم ناشطون جهات مسؤولة عن إعادة الإعمار بتسليم المشاريع لشركات مقاولات “منتهية الصلاحية” ومن دون مناقصات، مقابل عمولات، في ممارسات وصفوها بـ”النهب المقنن والمنظم”.
تعز بلا خدمات.. وواقع إنساني قاسٍ
غياب الإيرادات عن خزينة الدولة انعكس بصورة مباشرة على حياة سكان تعز، التي تعيش واحدة من أسوأ مراحلها الخدمية منذ اندلاع الحرب. قطاعات الصحة والمياه والكهرباء والصرف الصحي تشهد شللاً شبه كامل، فيما يواجه المواطنون أوضاعًا إنسانية بالغة القسوة.
وتساءل مواطنون عبر مواقع التواصل الاجتماعي بمرارة: “أين ذهبت المليارات؟ ولماذا لا يظهر أثر هذه الأموال إلا في التصريحات، بينما الواقع يحكي قصة مدينة تُترك لتنهار؟”.
شهادات صادمة وتحذيرات خطيرة
الصحفي محرم الحاج علّق بحدة على ما يجري، قائلاً: “أكثر من عشر سنوات تُودَع الإيرادات في حسابات خاصة، بينما لم تتغير المؤسسات نحو الأفضل. ما يحدث ليس فسادًا عابرًا، بل نهب ممنهج لقوت الناس”.
وأضاف: “في الوقت الذي تجوع فيه الأسر وتفقد حقها في العلاج، تتكدس لدى المسؤولين القصور والسيارات الحديثة والأرصدة داخل اليمن وخارجه”.
وحذر مراقبون للشأن المحلي في تعز من أن استمرار هذا الوضع ينذر بانهيار مؤسسي شامل، في ظل غياب الرقابة وافتقار المحافظة إلى منظومة مالية واضحة لإدارة مواردها، مرجحين أن يؤدي تصاعد الغضب الشعبي إلى احتجاجات واسعة خلال الفترة المقبلة.
الخلاصة
وسط هذا المشهد القاتم، يبقى السؤال معلقًا في أذهان أبناء تعز: هل يأتي يوم تُدار فيه المدينة بالقانون لا بالمليشيات؟ وهل يظهر من يعيد الأموال المنهوبة بدلًا من أن يضيف جرحًا جديدًا إلى جسد مدينة أنهكها الفساد والحرب؟