في اليوم العالمي لحقوق الإنسان، تحوّل البرلمان الأوروبي في بروكسل إلى منبر دولي لمناقشة واحدة من أخطر الأزمات الحقوقية في العالم: موجة الإعدامات والقمع المنهجي في إيران. فقد استضاف البرلمان، في جلستين متتاليتين، مؤتمرين رفيعي المستوى جمعا نواباً، ورؤساء حكومات سابقين، وخبراء في القانون الدولي وحقوق الإنسان، وتقدّمتهما السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية.
رسالة اليوم كانت واضحة: لا يمكن أن تبقى إيران ملفاً نووياً فحسب، فيما تتحوّل السجون وأعواد المشانق إلى مسرح لـ«مجزرة بطيئة» تجري على مرأى من المجتمع الدولي.
مريم رجوي: نهاية أوهام الإصلاح من داخل النظام
في كلمتها، وصفت مريم رجوي نظام ولاية الفقيه بأنه يعيش «أعمق أزماته منذ قيامه»، مؤكدة أن حاجته المتزايدة إلى القمع دليل على أنه «لم يشعر يوماً بأنه بهذا القرب من السقوط». وأشارت إلى أن عام ٢٠٢٥ شهد ارتفاعاً قياسياً في الإعدامات، بينهم نساء وقاصرون، وأن قبور السجناء السياسيين تُدمَّر لطمس الأدلة على الجرائم.
رجوي شددت على أن «وحدات المقاومة» المنتشرة في الداخل تعبّر عن إرادة شعب «يرفض ديكتاتورية الملالي كما يرفض عودة ديكتاتورية الشاه»، ويطالب بجمهورية ديمقراطية علمانية تقوم على فصل الدين عن الدولة والمساواة بين المرأة والرجل. وانتقدت صمت مؤسسات الاتحاد الأوروبي حيال مصير ١٨ سجيناً سياسياً مهددين بالإعدام لأنهم دعموا منظمة مجاهدي خلق، محذّرة من أن استمرار الصمت يشجّع النظام على تكرار مجازر الماضي.
وطالبت بربط أي علاقة مع طهران بوقف فوري للإعدامات، وإغلاق سفارات النظام ومراكزه التي تُستخدم – حسب قولها – كأدوات للقمع العابر للحدود، وإدراج الحرس الثوري ووزارة المخابرات على قوائم الإرهاب، مؤكدة أن «الاسترضاء لم يجلب سوى مزيد من الدم».
نهاية سياسة الاسترضاء: رؤساء حكومات ونواب يتكلمون
رؤساء حكومات سابقون، بينهم البلجيكي غاي فيرهوفشتات والإيطالي ماتيو رينزي، إلى جانب عدد من أعضاء البرلمان الأوروبي، وجّهوا انتقادات حادة لما سمّوه «عقوداً من المهادنة» مع طهران.
فيرهوفشتات رأى أن «استراتيجية الاسترضاء لم تحلّ شيئاً»، مذكّراً بأن أكثر من ٢٦٠٠ شخص أُعدموا خلال الستة عشر شهراً الماضية وحدها، وأن ١٨ سجيناً سياسياً على طابور الموت بسبب دعمهم للجمهورية الديمقراطية. ودعا إلى إدراج الحرس الثوري على قائمة الإرهاب الأوروبية، وتشديد العقوبات، والاعتراف بالمعارضة الديمقراطية، «وخاصة مريم رجوي، ممثلاً حقيقياً للشعب الإيراني، لا بالنظام القائم».
رينزي اعتبر أن النظام الإيراني في «مرحلة ضعف واضحة»، وأن لا الحرب الخارجية ولا «الدبلوماسية المهذّبة» قادتا إلى تغيير حقيقي، معلناً دعمه لـ«الخيار الثالث» الذي تطرحه رجوي: دعم الشعب والمقاومة المنظمة لإحداث التغيير من الداخل، مؤكداً أن استقرار الشرق الأوسط «يمر عبر التغيير في إيران».
نواب آخرون، مثل ميلان زڤير وپيتراس أوشتريفيتشيوس وفرانشيسكو أسيس، حذروا من تكرار مجزرة ١٩٨٨ التي أُعدم فيها آلاف السجناء السياسيين، ودعوا إلى ربط أي حوار مع طهران بالسماح لخبراء الأمم المتحدة بزيارة السجون ووقف الإعدامات، والاعتراف بخطة رجوي ذات النقاط العشر كخريطة طريق لبديل ديمقراطي.
خبراء العدالة الدولية: جرائم ضد الإنسانية… ومسؤولية أوروبا
المؤتمر الثاني أعطى الكلمة لخبراء دوليين في العدالة الجنائية وحقوق الإنسان، من بينهم السفير ستيفن راب، المدعي السابق في محاكم رواندا وسيراليون، وكومي نعيدو، الأمين العام السابق لمنظمة العفو الدولية، ومارك إيليس، المدير التنفيذي لاتحاد المحامين الدولي، إلى جانب شخصيات قانونية أوروبية.
راب وصف موجة الإعدامات الحالية بأنها «إرهاب دولة محسوب لقمع أي معارضة»، مؤكداً أنها ترقى إلى «جرائم ضد الإنسانية»، وداعياً الدول الأوروبية إلى عدم مقايضة العدالة وحقوق الإنسان بصفقات حول التخصيب النووي أو المصالح التجارية.
نايدو طرح "خطة من ست نقاط" تدعو إلى وقف فوري للإعدامات، وربط أي تواصل دبلوماسي بتقدّم ملموس في ملف حقوق الإنسان، وحماية المعارضين والمدافعين عن الحقوق في أوروبا من تهديدات النظام، معبّراً عن تضامنه مع نساء إيران اللواتي يقُدن الاحتجاجات رغم الثمن الباهظ.
إيليس تحدث عن "قتل منظّم ترعاه الدولة على نطاق صناعي" وعن غياب تام لقضاء مستقل، موضحاً أن النظام يعمل على تفكيك حق الدفاع ودفن الحقيقة، وداعياً إلى استخدام كل آليات المحاسبة المتاحة في جرائم ضد الإنسانية حتى يشعر السجناء السياسيون بأن العالم لا يتخلى عنهم.
في ختام اليوم، أعلنت منظمة "العدالة لضحايا مجزرة ١٩٨٨ في إيران" (JVMI) أن بياناً جديداً يطالب بوقف إعدام السجينة السياسية زهرة طبري وسجناء آخرين على طابور الموت حظي بتأييد أكثر من ٣٠٠ شخصية نسائية بارزة من أنحاء العالم، بينهن رئيسات ورئيسات وزراء ووزيرات وبرلمانيات وحائزات على نوبل. رسالة بروكسل كانت واضحة: معركة حقوق الإنسان في إيران لم تعد شأناً داخلياً، بل اختباراً لمصداقية أوروبا نفسها.