منذ توليه منصب محافظ شبوة، وجد الشيخ عوض محمد ابن الوزير نفسه أمام مسؤولية استثنائية تتمثل في إدارة واحدة من أكثر المحافظات اليمنية حساسية وأهمية.. فشبوة ليست مجرد محافظة غنية بالنفط والغاز، بل عقدة استراتيجية تربط البحر العربي بخليج عدن والجزيرة العربية، وساحة لتقاطع النفوذ الإقليمي والدولي.
لم تمضِ سوى أشهر قليلة على تعيينه حتى تلقى ضربة قاسية، حين استهدفت مليشيا الحوثي موانئ تصدير النفط في النشيمة، فأوقفت التصدير وتسببت بحرمان المحافظة من 20٪ من مبيعات النفط كانت مخصصة لتنميتها.
وسط هذه التحديات، وجد ابن الوزير نفسه أمام معادلة صعبة: كيف يحافظ على استقرار محافظة تتجاذبها القوى، ويواصل في الوقت ذاته مشاريع تنموية تمنح السكان أملاً في الغد.
في حواره مع "النهار"، يتحدث بصراحة عن إنجازاته وما يواجهه من صعوبات، وعن رؤيته لمستقبل شبوة في قلب المشهد اليمني والإقليمي.
نص الحوار:
بدايةً، كيف تصفون الدور الذي تمثله شبوة اليوم في المشهد اليمني سياسيًا واقتصاديًا؟
شبوة اليوم تمثل ركيزة محورية في المشهد الوطني، فهي حلقة وصل جغرافية وبوابة بحرية على بحر العرب، إضافةً إلى كونها مركزاً اقتصادياً واعداً بثرواتها النفطية والغازية والسمكية والزراعية. سياسياً، أثبتت شبوة أنها عامل استقرار، وحاضنة للمشروع الوطني الجامع، وقوة مساندة للدولة العادلة.
ما أبرز المشاريع التنموية والخدمية التي تحققت في شبوة خلال الفترة الأخيرة؟
شهدت المحافظة نقلة نوعية في قطاعات الكهرباء والطرقات والتعليم والصحة، وأبرزها المحطة الشمسية والمشاريع المرتبطة بالبنية التحتية والخدمات الأساسية. ولا يفوتني هنا أن أشيد بالدعم السخي من أشقائنا في دولة الإمارات العربية المتحدة ممثلة بسمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الذي قدم عطاءً سخياً في الكهرباء والصحة والتعليم والطرقات، وكان له أثر مباشر في تحسين حياة المواطنين.
ما خططكم لتطوير قطاعات التعليم والصحة في ظل شح الموارد وغياب الاستقرار العام؟
خططنا تقوم على مبدأ الأولويات، وعلى رؤية مصفوفة من المشاريع الاستراتيجية، من خلال دعم قطاعات التعليم والصحة والكهرباء والطرقات، وتطوير الكادر البشري، إلى جانب توسيع الشراكة مع المنظمات الدولية والقطاع الخاص. كما أننا نثمن الدعم الكبير من الأشقاء في الإمارات الذين رفدوا القطاع الصحي بالأجهزة والمعدات، وأسهموا في صيانة المستشفيات وتجهيزها وتشغيلها، وأبرزها مستشفى الشيخ محمد بن زايد، وأربعة مستشفيات محورية في عتق وبيحان وعزان وعرماء، إضافة إلى 11 مستشفى ريفياً في باقي المديريات عبر مؤسسة الشيخ خليفة للأعمال الإنسانية، وهو دعم غير مسبوق يعزز من قدرتنا على مواجهة التحديات.
بخصوص محطة الطاقة الشمسية.. هل هناك توجه لتوسيع طاقتها لاحقاً؟
نعم، المحطة الشمسية خطوة أولى، وهناك توجه لتوسيع قدرتها الإنتاجية بما يضمن استقرار الكهرباء على المدى البعيد وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري. وقد وجدنا دعماً من الأشقاء في الإمارات في هذا القطاع الحيوي، ما يمنحنا ثقة أكبر في تطوير البنية الكهربائية، ولدينا توجه لإنشاء ثلاث محطات كهرباء غازية بقدرة 60 ميجاوات لكل محطة.
شبوة غنية بالنفط والغاز.. كيف تُدار هذه الموارد اليوم في ظل تهديد مليشيا الحوثي لموانئ التصدير والشركات العاملة في هذا القطاع؟ وما التحديات أمام الاستفادة المثلى منها؟
التحديات كبيرة بفعل التهديدات المستمرة من المليشيا الحوثية المدعومة من إيران، والتي تستهدف الموانئ وخطوط التصدير والشركات العاملة في النفط والغاز. لكننا نعمل مع الحكومة الشرعية والتحالف العربي على حماية المنشآت وصون بنيتها التحتية. ونؤكد أن هذه الثروات ستظل رصيداً استراتيجياً لكل أبناء الوطن، وستسهم يوماً في إنعاش الاقتصاد الوطني.
هل تعتقدون أن هناك آبار نفط لم يتم اكتشافها بعد في شبوة؟
نعم، شبوة تمتلك موارد طبيعية ولا تزال بكراً في كثير من مناطقها، فالمؤشرات الجيولوجية والدراسات السابقة تؤكد وجود مخزون واعد لم يُستكشف بعد، ما يعزز مكانة شبوة كوجهة رئيسية للاستثمار النفطي مستقبلاً.
هل هناك جهود لجذب استثمارات خارج قطاع الطاقة، مثل الزراعة أو السياحة أو الطاقة المتجددة؟
بالتأكيد، شبوة بحاجة إلى استثمارات متنوعة تشمل الزراعة والثروة السمكية والسياحة البيئية والصناعات التحويلية، إضافة إلى مشاريع استراتيجية مثل صناعة الإسمنت وتعليب الأسماك والبتروكيماويات وتطوير البنية التحتية. هذه المجالات تمثل فرصاً اقتصادية ضخمة ستساهم في تنويع الاقتصاد وخلق فرص عمل.
ما الضمانات التي يمكن أن تقدمها السلطة المحلية للمستثمرين في ظل الظروف الراهنة؟
الضمانات متعددة وتشمل استقرار الوضع الأمني في عموم شبوة، إلى جانب التسهيلات الإدارية الكبيرة للمستثمرين سواء في التراخيص أو توفير الأراضي أو إزالة المعوقات. الوضع الأمني اليوم مستقر، والمنظومة الأمنية في المحافظة حظيت بدعم غير مسبوق من أشقائنا في دولة الإمارات، الأمر الذي عزز ثقة المستثمرين وجعل شبوة بيئة واعدة للاستثمار.
شبوة تقع في موقع حساس وكانت ساحة لصراعات متعددة.. كيف تقيمون الوضع الأمني اليوم؟
الوضع الأمني مستقر بدرجة عالية في عموم شبوة، وقد نجحنا في بسط الاستقرار وتعزيز حضور الدولة بفضل جهود الوحدات الأمنية والعسكرية، والدعم النوعي المقدم من الإمارات في مجالات التدريب والتجهيز وتطوير البنية الأمنية. هذا الاستقرار انعكس إيجاباً على حياة الناس، وجعل المحافظة أكثر أماناً وجاذبية للاستثمار.
ما الإجراءات المتخذة لمواجهة الإرهاب والتهريب؟
اعتمدنا خطة أمنية شاملة تتضمن انتشاراً ميدانياً واسعاً، وتشديد الرقابة على المنافذ، وتعزيز العمل الاستخباراتي. كما ننسق بشكل مستمر مع الأجهزة الوطنية والتحالف العربي، وهو ما حقق نجاحات ملموسة في مكافحة الإرهاب والتهريب وضبط الجريمة.
كيف يتم التنسيق بينكم وبين الحكومة المركزية والتحالف العربي في هذا الجانب؟
لدينا غرفة عمليات مشتركة وتنسيق مباشر مع الحكومة والتحالف العربي، وقد كان لهذا الدور أثراً حاسماً في تثبيت الأمن والاستقرار. نثمن عالياً الدعم الكبير من الأشقاء في الإمارات والسعودية، الذي عزز قدراتنا الأمنية ورفع مستوى الجاهزية.
كيف تصفون علاقتكم مع مجلس القيادة الرئاسي والحكومة الشرعية؟
العلاقة إيجابية وبنّاءة، قائمة على التعاون والتنسيق المشترك، ونعمل جميعاً تحت مظلة الشرعية من أجل استعادة مؤسسات الدولة وترسيخ الاستقرار وتعزيز مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين.
ما أبرز التحديات التي تواجه السلطة المحلية في علاقتها مع المركز؟
التحدي الأبرز يتمثل في ضعف التمويل المركزي وبطء الإجراءات الإدارية، ما يعرقل سرعة تنفيذ المشاريع. لكننا نسعى إلى تجاوز ذلك بالاعتماد على مواردنا المحلية والدعم السخي من الأشقاء.
هل تؤيدون منح المحافظات صلاحيات أوسع في إطار لامركزية إدارية ومالية؟
نعم، نؤيد ذلك بقوة، فاللامركزية تمثل السبيل الأمثل لتحقيق تنمية محلية عادلة، وتمكين السلطات المحلية من الاستجابة السريعة لاحتياجات المواطنين.
كيف تتعاملون مع الضغوط الاجتماعية والإنسانية الناتجة عن النزوح والحرب؟
نواجه هذه الضغوط عبر خطط استيعاب عاجلة للنازحين وتوفير الخدمات الأساسية لهم بالتعاون مع المنظمات الإنسانية. كما كان للأشقاء في الإمارات دور كبير في هذا المجال من خلال تقديم مساعدات غذائية وإغاثية خففت من معاناة الأسر النازحة عبر مكتب الهلال الأحمر الإماراتي في شبوة.
هل تركيبة شبوة كمجتمع قبلي تشكل تحدياً للتنمية؟
المجتمع القبلي ليس عائقاً، بل شريك أصيل في التنمية. لقد استفدنا من القيم القبلية في دعم الاستقرار وتعزيز السلم الأهلي وحماية المشاريع التنموية.
هل لدى السلطة المحلية توجه لحل قضايا الثأر؟ وهل تعتبرون ذلك ممكناً؟
نعم، لدينا توجه جاد لدعم جهود المصالحة وحل قضايا الثأر بالتعاون مع المشايخ والوجهاء والشخصيات الاجتماعية. نؤمن أن هذه الخطوة ضرورية لترسيخ الأمن وتحقيق التنمية.
كيف ترون شبوة بعد خمس سنوات من الآن إذا استمرت جهود التنمية الحالية؟
أرى شبوة مزدهرة بمشاريع تنموية استراتيجية مكتملة، وبنية تحتية حديثة، وصناعات متنوعة، وقطاع استثماري نشط في النفط والزراعة والسياحة والطاقة المتجددة. ستكون شبوة نموذجاً للتنمية المستدامة إذا واصلنا العمل بنفس الوتيرة.
ما الرسالة التي تودون توجيهها للمجتمع الدولي من خلال هذه المقابلة؟
رسالتنا أن شبوة أرض الفرص الواعدة، وتستحق الدعم والمساندة، وأن الاستثمار فيها هو استثمار في استقرار اليمن والمنطقة. كما نوجه شكرنا العميق للمجتمع الدولي، ولأشقائنا في دولة الإمارات بقيادة سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الذين أثبتوا أنهم شركاء صادقون في دعم التنمية والاستقرار.
وبصراحة.. ما أكثر ما يقلقكم اليوم كمحافظ، وما أكثر ما يمنحكم الأمل؟
أكثر ما يقلقني هو استمرار معاناة المواطنين من ضعف الخدمات بسبب الحرب والتهديدات الحوثية للمصالح الاقتصادية، وكذلك التنسيق الحاصل بين مليشيا الحوثي والتنظيمات الإرهابية.
أما أكثر ما يمنحني الأمل فهو صمود أبناء شبوة وإصرارهم على البناء، إضافةً إلى الدعم المخلص من أشقائنا في الإمارات بقيادة سمو الشيخ محمد بن زايد، الذي يمثل دفعة قوية لنا لمواصلة مسيرة التنمية.