في مشهد مؤلم وصادم، أقدم رجل مرور يمني يُدعى معاذ المسوري على إضرام النار في زيه الرسمي، وسط العاصمة صنعاء، احتجاجًا على انقطاع راتبه منذ ثمانية أشهر، في واقعة تجسّد الحالة المعيشية البائسة التي يعيشها الموظفون والمواطنون في مناطق سيطرة ميليشيا الحوثي.
الفيديو المتداول على منصات التواصل الاجتماعي، أظهر المسوري وهو يشعل النار في بزته العسكرية، في لحظة من الغضب واليأس، تعبيرًا عن حجم الظلم الذي يتعرض له آلاف الموظفين المدنيين والعسكريين في مناطق تخضع لقبضة الميليشيا منذ ما يقارب عقدًا من الزمن.
الحادثة سلطت الضوء مجددًا على سياسة "التجويع الممنهج" التي تنتهجها جماعة الحوثي، إذ توقفت رواتب الموظفين الحكوميين في مناطق سيطرتهم منذ أواخر العام 2016، باستثناء دفعات متقطعة وشحيحة لا تفي بمتطلبات البقاء، فيما تواصل الجماعة فرض جبايات وإتاوات على مختلف القطاعات التجارية والخدمية تحت ذرائع متعددة، لتمويل أنشطتها العسكرية والأمنية.
وقال مصدر مقرب من المسوري إن الأخير يعاني من ضائقة معيشية خانقة، وسبق أن تقدّم بعدة شكاوى دون استجابة، مشيرًا إلى أنه "أحرق زيه بعدما فَقَدَ الأمل في نيل حقوقه، وبعد أن راح ابنه ضحية لتجنيد الحوثيين الإجباري".
مصادر محلية في صنعاء أكدت أن ابن معاذ المسوري قُتل أثناء القتال في صفوف الحوثيين، بعد أن جرى تجنيده قسرًا، في واحدة من آلاف القصص التي تحكي كيف تستنزف الجماعة الطاقات البشرية عبر حملات التجنيد الإجباري التي تطال حتى أبناء الموظفين المعدمين.
ورغم مأساة المسوري الشخصية، إلا أن مأساته تعكس واقعًا أشمل لملايين اليمنيين الذين وجدوا أنفسهم بين فكّي الحصار المعيشي والنهب الممنهج، دون أمل في انفراج قريب أو محاسبة عادلة.
تشير تقارير اقتصادية محلية ودولية إلى أن ميليشيا الحوثي حولت الاقتصاد في مناطق سيطرتها إلى اقتصاد حرب، يعتمد على مصادر غير قانونية للتمويل، في طليعتها: الإتاوات، الضرائب المضاعفة، السيطرة على قطاعات الاتصالات والوقود، والتحكم الكامل في المعونات الإنسانية.
كما تؤكد التقارير أن المليشيا تمتنع عن دفع الرواتب، رغم حصولها على مئات المليارات من الإيرادات من موانئ الحديدة، ومصادر النفط المحلية، والمساعدات الأممية، ما جعلها متهمة بـ"بناء ثروات على حساب تجويع الشعب".
على مواقع التواصل، عبّر عشرات اليمنيين عن تضامنهم مع رجل المرور، معتبرين ما فعله "صرخة ألم نيابة عن آلاف الموظفين الذين أُذِلّوا بقطع الرواتب، وأُجبِروا على مشاهدة أطفالهم وهم ينامون جوعى".
وكتب أحد المواطنين: "معاذ المسوري لم يُحرق زيه فقط، بل أحرق ما تبقى من وهم الكرامة في مناطق الحوثيين.. الموظف اليوم يُهان، يُجوّع، ويُسلَب حقوقه، وإذا طالب براتبه اتُّهِم بالخيانة أو تم تهديده".
يرى مراقبون أن تنامي الغضب الشعبي في مناطق سيطرة الحوثي يُنذر بانفجار وشيك، خصوصًا مع اشتداد الأزمات المعيشية وتزايد الفوارق الطبقية التي خلقتها الجماعة بين "طبقة مشرفين وأثرياء الحرب"، و"طبقة مواطنين مسحوقين"، لا يملكون سوى الصبر أو الانتحار البطيء.
ما فعله رجل المرور معاذ المسوري، لم يكن مجرد احتجاج فردي، بل صرخة مزلزلة تعبّر عن ملايين اليمنيين الذين يعيشون تحت خط الفقر، ويتعرضون للابتزاز اليومي باسم الدين أو الأمن أو الحرب. إنه مشهد يعري سلطة لا تعرف إلا النهب، ويكشف هشاشة واقع بات فيه الموظف يُعاقب لأنه طالب براتبه، ويُفقد ابنه لأنه لم يسارع إلى التضحية به في جبهات الحوثي.