آخر تحديث :الثلاثاء-22 يوليو 2025-01:48ص
اخبار وتقارير

من "أب روحي" إلى "جلاد الحارة": العقال يتحولون إلى أدوات قمع وجباية وفساد في أحياء اليمن

من "أب روحي" إلى "جلاد الحارة": العقال يتحولون إلى أدوات قمع وجباية وفساد في أحياء اليمن
الثلاثاء - 22 يوليو 2025 - 12:58 ص بتوقيت عدن
- نافذة اليمن - محرم الحاج

لم يعد "عاقل الحارة" ذلك الوجه الاجتماعي الحكيم الذي يجمع الناس على حل الخلافات وتخفيف المعاناة، بل بات – في كثير من المناطق – أداة قمع وتسلّط، ومصدرًا للرعب والابتزاز، وذراعًا محلية لسلطات جائرة، تمارس الوشاية والتجسس وتنهب حقوق المواطنين باسم القانون والنظام.

العقال.. من وسطاء للخير إلى سماسرة للفساد

زمان، كان عاقل الحارة بمثابة الأب الروحي لسكان الحي، يُرجع إليه الناس في فضّ النزاعات البسيطة، وكان ديوانه يُمثّل منبرًا للتسامح والتفاهم. أما اليوم، فغالبية العقال تحوّلوا إلى "أدوات للجباية والرشوة والظلم"، بل أصبح منصب العاقل لدى بعضهم مرادفًا للسماسرة، ولتجار المعونات الدولية، وشرعنة اقتحام المنازل وابتزاز المواطنين.

في شهادات من الواقع، كشف مواطن يُدعى "ح. ع" (40 عامًا) عن تعرضه لاعتقال تعسفي دام ثمانية أيام بسبب وشاية من عاقل الحارة. قال: "كلما في الأمر أنني تشاجرت مع أولاد العاقل عندما منعوني من تعبئة دبتين ماء من السبيل، وهددتهم بتقديم شكوى. بعد ساعات، اقتحم منزلي أربعة مسلحين بلباس عسكري، وأخذوني لقسم الشرطة بتهمة التحريض، حسب بلاغ زائف من أبناء الحي – وهم بالأصل أبناء العاقل. سجنت ثمانية أيام ثم خرجت بتعهد خطي، دون أي تحقيق عادل."

ويتابع:"ذريعة العاقل كاذبة. ما حدث كان مجرد انتقام. أطالب باستبدال هذا العاقل ومحاسبته على تجاوزاته وظلمه."

مهمة العاقل خرجت عن القانون

في الأصل، تنحصر مهام عقال الحارات في معرفة السكان والمقيمين، وتوثيق بيانات الوافدين والنازحين، والتعريف بهم أمام الجهات الحكومية. لكن الواقع اليوم يقول غير ذلك، إذ توسعت صلاحيات العقال لتشمل توزيع الغاز والمساعدات، والتدخل في شؤون أمنية، وحتى إصدار أوامر غير قانونية باقتحام المنازل، كما حصل مع المواطن "ح.ع".

مراكز الشرطة.. أوكار ابتزاز لا مراكز عدالة

ولا تتوقف المأساة عند حدود العقال، بل تمتد لتفضح واقعًا أكثر فسادًا داخل مراكز الشرطة. فبدلًا من أن تكون هذه المراكز ملاذًا آمنًا، تحولت إلى نقاط ابتزاز وإهانة للمواطنين، حسب شهادات مباشرة.

يقول صاحب متجر لقطع الغيار إنه تعرّض للسرقة، ولدى ذهابه إلى قسم الشرطة للإبلاغ، وجد نفسه فريسة للابتزاز: "كاتب المحضر طلب مالاً، والمحقق الميداني طلب (حق الطقم)، وانتهى بي الأمر بدفع 290 ألف ريال كي أجد تعاونًا في قضيتي. كنت مجبرًا على الدفع، وإلا ستُهمل قضيتي تمامًا."

القانون سيفٌ بيد الفاسدين.. والضحية المواطن

في حادثة أخرى أكثر إثارة للسخط، أفاد الأستاذ فيصل محسن، أحد معلمي تعز، بأن ابنته تعرّضت لاعتداء عنيف، لكنه فوجئ بأن مدير قسم الشرطة أطلق سراح المعتدين، بل مارس عليه وعلى أسرته ضغوطًا وقهرًا بدلًا من إنصافه.

قال محسن:"ذهبت للقانون وأنا أظنه سيحمي ابنتي، لكني وجدت نفسي في مواجهة جبروت مدير القسم وشلّته، الذين يستخدمون البدلة الرسمية كعكاز لاستغلال سلطتهم. القانون لديهم يُفصّل حسب مصلحتهم، والمواطن ليس أكثر من ورقة مهملة في دفتر فسادهم."

وتابع بغضب: "ما يُثير القرف أنهم لا يتوقفون عن الحديث عن دولة النظام والقانون، بينما هم من يمتهنون القانون ويستخدمونه عصًا لضرب المواطنين المستضعفين. عن أي حق يتحدثون وهم أساس الباطل؟"

الخلاصة:

العقال، الذين كانوا بالأمس رمزًا للعدالة والاحتواء، تحولوا اليوم – في ظل واقع متردٍ – إلى أعين تراقب، وأيادٍ تكمّم، وأدوات تهين كرامة الإنسان في وطنه. وما لم تتم محاسبة المتجاوزين، وتطهير المؤسسات من الفاسدين، فسيبقى المواطن في هذا البلد ضحية دائمة لـ"سلطة الظل"... العاقل وقسم الشرطة.