آخر تحديث :الثلاثاء-22 يوليو 2025-01:48ص
اخبار وتقارير

دواءٌ ينشر المرض.. لا يشفيه: فضيحة المساعدات الدوائية في تعز تكشف وجهاً آخر للموت المجاني

دواءٌ ينشر المرض.. لا يشفيه: فضيحة المساعدات الدوائية في تعز تكشف وجهاً آخر للموت المجاني
الإثنين - 21 يوليو 2025 - 10:34 م بتوقيت عدن
- نافذة اليمن - تحقيق: محرم الحاج

بينما يقف المواطن في تعز على حافة الهاوية الصحية، يتسابق الموت في أشكال متعددة لتقويض آخر مظاهر الحياة في المدينة المحاصرة. فإلى جانب الحرب والحصار، يظهر تهديد خفي لكنه لا يقل فتكاً: المساعدات الدوائية الفاسدة والمنتهية الصلاحية، التي تُوزع على المرضى من دون رقابة، ولا ضمير.

خلال أسبوع كامل، تنقلت بين مرافق صحية ومخازن ومنازل متضررين، بحثاً في قضية باتت تتكرر منذ سنوات: توزيع أدوية "مساعدة" إما فاسدة أو على وشك الانتهاء، بل وفي حالات عديدة دون أي تاريخ صلاحية.

دواء بلا تاريخ.. أو بتاريخ مزور!

تروي فاطمة (40 عامًا)، وهي مريضة مزمنة، أنها تلقت في مطلع 2023 عبوات دواء لم يتبقَ على انتهاء صلاحيتها سوى 3 أيام فقط. "كنت بين خيارين: إمّا أتناولها وأخاطر، أو أموت... فاخترت السم البطيء بدلًا من الموت السريع"، تقول بحسرة.

أما عبدالله عدالي، النازح الخمسيني، فاختار التخلص من الأدوية التي تلقاها، ورماها في القمامة. "لم أقبل أن أتناول دواءً مجهولاً فقط لأنه مجاني. حياتي ليست لعبة"، قال بعد أن علم أن تاريخ صلاحية الدواء قد غُيّر بطريقة مريبة.

أحمد، شاب في العشرينيات، يروي أنه استلم لجدته دواءً للضغط من إحدى المنظمات، لكنه لاحظ عدم وجود تاريخ انتهاء، وبعد سؤاله للصيدلي، أجابه الأخير بلا مبالاة: "نقدر نكتب التاريخ اللي نريد".

"الدواء المجاني" يقتل ببطء

منال، امرأة أخرى وقعت ضحية هذا الإهمال، تقول إنها تلقت شرابًا للسعال من مركز صحي حكومي، وعندما ازدادت حالتها سوءًا بعد يومين من الاستخدام، اكتشفت أن الدواء منتهي الصلاحية منذ أشهر.

وتضيف: "الصيادلة في هذه المراكز يتعاملون بارتباك مع المرضى حين يُسألون عن الصلاحية، وكأنهم يعلمون بالخطر ولكنهم يفضلون الصمت... هذه خيانة مهنية."

تحقيقات أم تواطؤ منظم؟

تؤكد مصادر في مصلحة الرقابة الدوائية، أن جزءًا كبيرًا من هذه الأدوية إما فاسد بسبب التخزين السيئ، أو مستورد من مخازن قديمة، أو يتم التخلص منه عبر قنوات التوزيع كمساعدات، حتى لو كان غير صالح للاستخدام.

وفي تصريحات خاصة، كشف أحد المتطوعين في منظمة إغاثة محلية ـ طالباً عدم الكشف عن هويته ـ أن كميات من الأدوية الفاسدة وصلت إلى مخازن المنظمة، وبدلاً من إتلافها، تم تجهيزها للتوزيع، بعلم المنظمة الأممية التي تدعم المشروع.

صحفيون وناشطون: المنظمات الدولية متورطة.. والحكومة غائبة

صحفيون وإعلاميون اعتبروا أن ما يجري في تعز هو "جريمة منظمة" برعاية المنظمات الدولية التي لا تلتزم بمعايير التخزين أو النقل، ولا تفرض رقابة حقيقية على ما يصل للمواطنين.

أما الناشط المعروف طلال الشرجبي، فروى حادثة صادمة: "قابلني صديقي المصاب بالسكري فرحًا لأنه حصل على دواء مجاني من مستشفى حكومي، لكن فرحته تحوّلت إلى صدمة عندما اكتشف أن تاريخ صلاحيته قد انتهى".

وتساءل: "من المسؤول عن توزيع الموت في عبوات دوائية؟ وأين دور مكتب الصحة العامة والسكان؟ ولماذا يلتزم المسؤولون الصمت؟!"

هيئة المواصفات.. لا ترد

ورغم محاولاتي للتواصل مع هيئة المواصفات والمقاييس عبر تطبيق "واتساب" لطرح تساؤلات حول الرقابة على المساعدات الدوائية، لم نتلقَّ أي رد حتى لحظة نشر التحقيق.

مراقبون: الفساد ينهش الرقابة.. والمواطن يدفع الثمن

يرى مراقبون أن ما يحدث ليس مجرد تقصير بل منظومة فساد تشمل بعض موظفي الصحة، ومنظمات محلية، وربما دولية، تتبادل المصالح على حساب أرواح البسطاء، محذرين من أن غياب قانون رادع أو آلية فحص فعالة سيحوّل تعز إلى مقبرة صامتة للمرضى.

خاتمة:

في تعز، لا يقتصر الموت على القذائف والقنص والجوع... بل يصل أحيانًا عبر علبة دواء "مساعدة"، يقدمها موظف مبتسم، ويأخذ صورة توثيقية للمنظمة... ثم يرحل، تاركًا ضحيةً جديدة تتألم بصمت، وتسأل:

من يحاسب تجار الموت الإنساني؟